كتاب الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني (اسم الجزء: 8)

.
__________
بعضهم كما في صحيح الأخبار، فقد كانت الملائكة تضرب الكفار بالسياط وتصيح بهم ويراهم الكفار ويسمعونهم كما أخبر كثير منهم بذلك بعد إسلامه، ولا يسمع المسلمون ولا يرونه، كل من له نظر في كتب السنة الصحيحة فقطع بذلك بعد إسلامه، ولا يسمع المسلمون ولا يرونه، وكل من له نظر في كتب السنة الصحيحة فقطع بذلك، وهذه الجن تتكلم بالأصوات المرتفعة بيننا ونحن لا نسمعهم، والعبد أضعف أثرا وسمعا من أن يثبت لمشاهدة عذاب القبر وربما كشف لبعض الناس عن شيء فربما ثبت وربما صعق، وليس بعزيز على من أوجد هذا الإنسان من العدم وجله حيا عالما سميعا بصيرا بعد أن لم يكن شيئا مذكورا أن يجمع أجزاءه بعد أن تفرقت رمادا في هواء البر والبحر وفي حواصل الطير وبطون السباع، ويجعل للروح اتصالا بها لتحس بالعذاب والنعيم، فقد أرانا أعجب من ذلك بأن جعل في الجمادات شعورا وإدراكا، فقد صح أنه صلى الله عليه وسلم كان يسمع تسليم الحجر والشجر عليه، وأن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا يسمعون تسبيح الطعام وهو يؤكل والحصى في أيديهم، وأما حنين الجذع فأشهر من أن يذكر (الأمر الثالث) اتساع القبر وضيقه ونوره وظلمته أمر معلوم من الدين بالضرورة لا مرية فيه لمتشرع، ثم ذكر جملة أحاديث في الصحيحين وغيرهما وتقدت في باب هول القبر وفتنته والسؤال فيه وشدته وفيها أنه يفسح للمؤمن في قبره سبعون ذراعا ويملأ عليه خضرا إلى يوم يبعثون، والكافر بعكس ذلك، وذكر من أحاديث هذا الباب شيئا كثيرا، ثم قال واتساع القبر للروح بالذات والبدن تبع لها، فيكون البدن في لحد أضيق من ذراع، وقد فسح له مد بصره تبعا لروحه قال (وقد أخبرنا بعض الصادقين) أنه حفر ثلاثة أقبر، فلما فرغ منها اضطجع ليستريح فرأى فيما يرى النائم ملكين نزلا فوقفا على أحد الأقبر، فقال أحدهما لصاحبه اكتب فرسخا في فرسخ، ثم وقفا على الثاني، فقال أكتب ميلا في ميل، ثم وقفا على الثالث فقال أكتب فترا في فتر، ثم انتبه فجيء برجل غريب لا يؤبه له فدفن في الأول، ثم جيء برجل آخر فدفن في الثاني، ثم جيء بامرأة مترفة من وجوه البلد حولها ناس كثير فدفنت في القبر الضيق الذي سمته فتر في فتر؛ والفتر بالفاء المكسورة والفوقية الساكنة، ما بين رأسي الإبهام والسبابة (الأمر الرابع) أن الميت إذا وضع في لحده ودفن لم يحجب التراب الملائكة عن الوصول إليه، بل لو نقر له حجر وأودع فيه وختم عليه بالرصاص لم يمنع وصولهم إليه، فإن هذه الأجسام الكثيفة لا تمنع خرق الأرواح لها، وأنت ربما شاهدت من الجن في ذلك العجائب، وقد جعل الله الحجارة والتراب للملائكة بمنزلة الهواء للطير (الأمر الخامس) أن النار في القبر والخضرة ليستا من نار الدنيا ولا نباتها ولا يحس به أهل الدنيا، فالله تعالى يحمي على الميت ذلك التراب وتلك الحجارة التي فوقه وتحته حتى تكون أعظم حرا من نار الدنيا بما لا يعلمه

الصفحة 141