كتاب الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني (اسم الجزء: 8)

.
__________
العاصي على رءوس الأشجار في مهاب الرياح لأصاب جسده من عذاب البرزخ حظه، ولو لقي الصالح في أتون من النار لأصاب جسده من نعيم البرزخ وروحه نصيبه، فيجعل النار على هذا بردا وسلاما والهواء على ذلك نارا وسموما، فعناصر العالم وموارده منقادة لربها يصرفها كيف يشاء كما صرفها فيما نشاهد بخلق هذه القوى فيها بعد أن لم تكن، تبارك اسمه وعزت مشيئته وتعالت قدرته وجلت قوته (وأما هل ذكر في القرآن) فنعم في قوله تعالى "ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطوا أيديهم أخرجوا أنفسكم. اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق وكنتم عن آياته تستكبرون" فخاطبوهم عند الموت بقولهم (اليوم تجزون) وفي قوله "فوقاه الله سيئات ما مكروا وحاق بآل فرعون أشد العذاب" فذكر عذاب الدارين ذكرا صريحا لا يحتمل غيره، وفي قوله تعالى "ولنذيقهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر" احتج بها ابن عتاب على عذاب القبر (فإن قيل) إنما المراد بهذا العذاب في الدنيا بالقتل والقحط والأسر وغيرها بدليل قوله "لعلهم يرجعون" أي عن الكفر (قيل) حبر الأمة وترجمان القرآن يقول ذلك، وهو أدق فهما وأغزر علما، وتقرير قوله أن قوله تعالى "من العذاب الأدنى" يدل على أنه يبقى بعد ما يذوقونه منه في الدنيا بقية يذوقونها بعد الموت، والعذاب الأكبر بعد الحشر، وهذا نظير قوله صلى الله عليه وسلم فيفتح له طاقة إلى النار فيأتيه من حرها وسمومها، فإن الذي يصل إليه بعض ذلك ويبقى أكثره (وأما هل هو دائم أو منقطع) فهو نوعان (أحدهما دائم) وهو عذاب الكفار وبعض العصاة لقوله تعالى في آل فرعون "النار يعرضون عليها غدوا وعشيا" وفي حديث سمرة عند البخاري في رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم فهو يفعل ذلك إلى يوم القيامة، وفي حديث أبي هريرة في الذين ترضخ رءوسهم لا يفتر عنهم، وفي الصحيح عن أبي هريرة في قصة الذي لبس بردين وجعل يمشي ويتبختر فخسف الله به الأرض فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة، وفي بعض ألفاظ حديث البراء الطويل الماضي عند أجمد ثم يخرق له خرقا إلى النار فيأتيه من غمها ودخانها إلى يوم القيامة، لكن ورد في بعض الأحاديث أنه يخفف عنهم ما بين النفختين، فإذا قاموا من قبورهم قالوا يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا (الثاني منقطع) وهو عذاب من خفت جرائمهم من العصاة فإنه يعذب بحسب جريمته، ثم يرفع عنه بدعاء أو صدقة أو نحو ذلك (قال ابن أبي الدنيا) حدثني محمد بن موسى الصائغ أخبرنا عبد الله بن نافع قال مات رجل من أهل المدينة فرآه رجل كأنه من أهل النار فاغتم لذلك ثم إنه بعد سابعة أو ثامنة رآه كأنه من أهل الجنة، فقال ألم تكن قلت إنك من أهل النار؟ قال قد كان ذلك

الصفحة 144