كتاب الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني (اسم الجزء: 8)
.
__________
إلا أنه دفن معنا رجل من الصالحين، فشفع في أربعين من جيرانه فكنت منهم، وحدثنا أحمد بن يحيى حدثنا بعض أصحابنا قال مات أخ لي فرأيته في النوم، فقلت له ما حالك حين وضعت في قبرك؟ قال أتاني آت بشهاب من نار فلولا أن داعيا دعالي لرأيت أنه سيضربني به (وحدثني) أبو عبد الله بن بجير حدثني بعض أصحابنا قال أرأيت أخا لي في النوم بعد موته فقلت أيصل إليك دعاء الأحياء؟ قال إي والله يترفرف مثل النور ثم نلبسه (وعمر بن جرير) إذا دعا العبد لأخيه الميت أتاه بها إلى قبره ملك فقال يا صاحب القبر الغريب هذه هدية من أخ عليك شفيق (وقال بشار بن غالب) رأيت رابعة في منامي وكنت كثير الدعاء لها، فقالت لي يا بشار بن غالب هداياك تأتينا على أطباق من نور مخمرة بمناديل الحرير، قلت وكيف ذاك؟ قلت هكذا دعاء المؤمنين الأحياء إذا دعوا للموتى فاستجيب لهم جعل ذلك الدعاء على أطباق النور ثم خمر بمناديل الحرير، ثم أتى على الذي دعى له من الموتى فقيل هذه هدية فلان إليك (وأما الأسباب) الموقعة في عذاب القبر فهي الجهل بالله والإضاعة لأمره والارتكاب لمعاصيه المفضية إلى سخطه المعبر به عن عذابه، فمن أغضب الله وأسخطه في هذه الدار ومات من غير توبة كان له من عذاب البرزخ بقدر غضب الله وسخطه عليه فمستقل ومستكثر، وقد عين النبي صلى الله عليه وسلم للإيقاع فيها أسبابا من اتقى ما ذكرناه من هذا الإجمال استغنى عن تفصيلها، ولما كان أكثر الناس مستخفا بأكثر الأرجاس كان أكثر أصحاب القبور معذبين والفائز منهم قليل، إلا أن عفا الله وهو أهل العفو والمغفرة، فظواهر القبور تراب وبواطنها حسرات وعذاب، ظواهرها بالحجارة المنقوشة مبنيات، وفي بواطنها الدواهي والبليات، تغلي بالحسرات كما تغلي القدور بما فيها، وحق لها لعمري وقد حيل بينها وبين أمانيها، (ذكر ابن أبي الدنيا) عن سماك بن حرب قال مر أبو الدرداء بين القبور، فقال ما أسكت ظواهرك وفي باطنك الدواهي؟ (قال ثابت البناني) بينما أنا أمشي في المقابر وإذا صوت خلفي يقول يا ثابت لا يغرنك سكوتها فكم من مغموم فيها، فالتفت فلم أر أحدا (ومر الحسن) على مقبرة فقال يا لهم من عسكر ما أسكتهم وكم فيهم من مكروب.
(خاتمة) وأما الأسباب المنجية منه فالعلم بالله وخشيته وتقواه والامتثال لأمره والوقوف عند نهيه وزجره وتجنب الأسباب المقتضية للعذاب، ومن أنفع ذلك أن نجلس عند المنام ساعة تحاسب فيها نفسك، ثم تجدد لكل ذنب توبة نصوحا وتنام على تلك التوبة، فإن مت كنت على توبة وإلا استيقظت مستقبلا للعمل مسرورا بتأخير الأجل حتى تستقبل ربك وتستدرك ما فاتك، وليس للعبد أنفع من هذه التوبة لا سيما إذا عقب ذلك بذكر الله واستعمل السنن التي وردت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يغلبه النوم، هذا وقد عين صلى الله عليه وسلم