كتاب الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني (اسم الجزء: 8)

البزار، وفيه أبو الرقاد لم يروا عنه غير حنيف المؤذن، وبقية رجاله موثقون (وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "اللهم إني أعوذ بك أن يتخذ قبري وثنا، فإن الله تبارك وتعالى اشتد غضبه على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، رواه البزار وفيه عمر بن صهبان، وقد اجتمعوا على ضعفه (قلت) أورد هذه الأحاديث الحافظ الهيثمي وتكلم عليها جرحا وتعديلا؛ وحديث أبي سعيد يشهد له حديث أبي هريرة الرايع من أحاديث الباب والله أعلم بالصواب (وعن جندب) رضي الله عنه قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول، ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، إني أنهاكم عن ذلك؛ رواه مسلم (الأحكام) أحاديث الباب تدل على عدم جواز اتخاذ المساجد على القبور، لأن تخصيص القبور بالصلاة عندها يشبه تعظيم الأصنام بالسجود لها، والأصل في عبادة الأصنام تعظيم الأموات باتخاذ صورهم ومسحها والصلاة عندها، كما يستفاد من حديث ابن عباس وغيره عند البخاري وغيره "أن ودا وسواعا ويغوث ويعوق ونسرا" التي اتخذها قوم نوح أصناما كانت أسماء رجال صالحين اتخذ الناس لهم صورا بعد موتهم ليستأنسوا برؤية تلك الصور ويتذكروا أحوالهم الصالحة ليجتهدوا كاجتهادهم، ثم خلف من بعدهم خلف جهلوا مرادهم ووسوس لهم الشيطان أن أسلافكم كانوا يعبدون هذه الصور ويعظمونها فاعبدوها، فحذر النبي صلى الله عليه وسلم من مثل ذلك سدا للذريعة المؤدية إليه (وفي أحاديث الباب أيضا) أن النهي عن اتخاذ القبور مساجد كان في مرض النبي صلى الله عليه وسلم الذي مات فيه (وفي رواية لمسلم) كان قبل أن يتوفى بخمس، وفائدة التنصيص على زمن النهي الإشارة إلى أنه من الأمر المحكم الذي لم ينسخ لكونه صدر في آخر حياته صلى الله عليه وسلم - وكأنه صلى الله عليه وسلم لما علم بقرب أجله خشي أن يفعل بعض أمته بقبره الشريف ما فعلته اليهود والنصارى بقبور أنبيائهم فنهى عن ذلك، قال التوربشتي هو مخرج على الوجهين (أحدهما) كانوا يسجدون لقبور الأنبياء تعظيما لهم وقصد العبادة في ذلك (وثانيهما) أنهم كانوا يتحرون الصلاة في مدافن الأنبياء والتوجه إلى قبورهم في حالة الصلاة والعبادة لله، نظرا منهم أن ذلك الصنيع أعظم موقعا عند الله لاشتماله على الأمرين، العبادة والمبالغة في تعظيم الأنبياء، وكلا الطريقين غير مرضية، أما الأولى فشرك جلي (وأما الثانية فلما فيها من معنى الإشراك بالله عز وجل وإن كان خفيا؛ والدليل على ذم الوجهين قوله صلى الله عليه وسلم اللهم لا تجعل قبري وثنا، اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، والوجه الأول أظهر وأشبه، كذا قال التوربشتي (وقال البيضاوي) لما كانت اليهود والنصارى يسجدون لقبور الأنبياء تعظيما لشأنهم ويجعلونها قبلة يتوجهون في الصلاة نحوها

الصفحة 156