كتاب الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني (اسم الجزء: 8)
لتجديد الحزن والتعديد والبكاء والنوح على ما جرت به عادتهن حرم، قال وعليه يحمل الحديث "لعن الله وزارات القبور" وإن كانت زيارتهن للاعتبار من غير تعديد ولا نياحة كره إلا أن تكون عجوزا لا تشتهي فلا يكره كحضور الجماعة في المساجد، وهذا الذي قاله حسن ومع هذا فالاحتياط للعجوز ترك الزيارة الظاهر الحديث أهـ (قلت) وبهذا يجمع بين الأحاديث المتعارضة في هذا الباب، وهو جمع حسن (قال صاحب المدخل) المالكي قد اختلفت العلماء في خروجهن على ثلاثة أقوال، بالمنع والجواز على ما يعلم في الشرع من الستر والتحفظ عكس ما يفعل اليوم، والثالث يفرق بين الشابة والمتجالة أي العجوز، قال واعلم أن الخلاف في نساء ذلك الزمان، أما خروجهن في هذا الزمان فمعاذ الله أن يقول أحد من العلماء أو من له مروءة أو غيرة في الدين بجوازه أهـ (وقال القرطبي) اللعن المذكور في الحديث إنما هو للمكثرات من الزيارة لما تقتضيه الصيغة من المبالغة، ولعل السبب ما يفضي إليه ذلك من تضييع حق الزوج والتبرج وما ينشأ من الصباح ونحو ذلك، وقد يقال إذا أمن جميع ذلك فلا مانع من الأذن لهن، لأن تذكر الموت يحتاج إليه الرجال والنساء أهـ (قال الشوكاني) وهذا الكلام هو الذي ينبغي اعتماده في الجمع بين أحاديث الباب المتعارضة في الظاهر أهـ والله أعلم (وفي أحاديث الباب أيضا) مشروعية زيارة قبور أهل الفترة خصوصا الأقارب لما في ذلك من صلة الرحم والاعتبار (وفيها أيضا) دليل على جواز البكاء حال الزيارة بلا صوت ولا نوح وعلى مزيد شفقته صلى الله عليه وسلم على والديه وقيامه بحقوقهما حق القيام، أما عدم الإذن له صلى الله عليه وسلم في الاستغفار لأمة فقد تقدم الكلام عليه في شرح الحديث، وقد ترجم النسائي رحمه الله لهذا الحديث بزيارة قبر المشرك، وما كان ينبغي ذلك سامحه الله (قال السندي) في حاشيته على النسائي كأنه أخذ ما ذكر في الترجمة من المنع عن الاستغفار أو من مجرد أنه الظاهر على مقتضى وجودها في وقت الجاهلية، لا من قوله بكى وأبكى، إذ لا يلزم من البكاء عند الحضور في ذلك المحل العذاب أو الكفر بل يمكن تحققه مع النجاة والإسلام أيضا، لكن من يقول بنجاة الوالدين لهم ثلاثة مسالك في ذلك (مسلك) أنهما ما بلغتهما الدعوة، ولا عذاب على من لم تبلغه، لقوله تعالى "وماكنا معذبين الخ" فلعل من سلك هذا المسلك يقول في تأويل الحديث إن الاستغفار فرع تصوير الذنب، وذلك في أوان التكليف ولا يعقل ذلك فيمن لم تبلغه الدعوة فلا حاجة إلى الاستغفار لهم فيمكن أنه ما شرع الاستغفار إلا لأهل الدعوة لا لغيرهم وإن كانوا ناجين "وأما من يقول" بأنهما أحييا له صلى الله عليه وسلم فآمنا به فيحمل هذا الحديث على أنه كان قبل الإحياء "وأما من ميقول" بأنه تعالى يوفقهما عند الامتحان يوم القيامة فهو يقول بمنع الاستغفار لهما قطعا فلا حاجة له