كتاب الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني (اسم الجزء: 8)

منها ما رواه الإمام أحمد واسحق بن راهويه في مسنديهما والبيهقي في كتاب الاعتقاد وصححه عن الأسود بن سريع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال أربعة يحتجون يوم القيامة. رجل أصم لا يسمع شيئا. ورجل أحمق. ورجل هرم؛ ورجل مات في فترة، فأما الأصم فيقول رب لقد جاء الإسلام وما أسمع شيئا، وأما الأحمق فيقول رب لقد جاء الإسلام وما أعقل شيئا، وأما الذي مات في الفترة فيقول رب ما أتاني لك رسول فيأخذ مواثيقهم ليطيعنه، فيرسل إليهم أن ادخلوا النار فمن دخلها كانت عليه بردا وسلاما، ومن لم يدخلها يسحب إليها، وذكر الحافظ السيوطي أحاديث أخرى لا تخرج عن معنى هذا الحديث غلى أن قال (وقال النووي) في شرح مسلم في أطفال المشركين إن المذهب الصحيح المختار الذي صار إليه المحققون أنهم في الجنة، لقوله تعالى "وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا" قال إذا كان لا يعذب البالغ لكونه لم تبلغه الدعوة فغيره أولى أهـ. فإن قلت هذا المسلك الذي قررته هل هو عام في أهل الجاهلية كلهم؟ قلت لا بل هو خاص بمن لم تبلغه دعوة نبي أصلا، أما من بلغته منهم دعوة أحد من الأنبياء السابقين، ثم أصر على كفره فهو في النار قطعا، وهذا لا نزاع فيه؛ وأما الأبوان الشريفان، فالظاهر من حالهما ما ذهبت إليه هذه الطائفة من عدم بلوغهما دعوة أحد، وذلك لمحموع أمور، تأخر زمانهما. وبعد ما بينهما وبين الأنبياء السابقين، فإن آخر الأنبياء قبل بعثة نبينا صلى الله عليه وسلم عيسى عليه السلام، وكانت الفترة بينه وبين بعثة نبينا نحو ستمائة سنة، ثم أنهما كانا في زمن الجاهلية، وقد طبق الجهل الأرض شرقا وغربا وفقد من يعرف الشرائع ويبلغ الدعوة على وجهها إلا نفرا يسيرا من أحبار أخل الكتاب مفرقين في أقطار الأرض كالشام وغيرها، ولم يعهد لهما تقلب في الأسفار سوى المدينة، ولا عمرا عمرا طويلا بحيث يقع لهما فيه التنقيب والتفتبش، فإن واولد النبي صلى الله عليه وسلم لم يعش من العمر إلا قليلا (قال الحافظ) صلاح الدين العلاني في كتابه (الدرة السنية في مولد سيد البرية) كان سن عبد الله حين حملت منه آمنة برسول الله صلى الله عليه وسلم نحو ثمانية عشر عاما، ثم ذهب إلى المدينة ليمتار تمرا لأهله، فمات بها عند أخواله من بني النجار والنبي صلى الله عليه وسلم حمل على الصحيح أهـ. وأمه قريبة من ذلك لا سيما وهي امرأة مصونة محجبة في البيت عن الاجتماع بالرجال، والغالب على النساء أنهن لا يعرفن ما الرجال فيه من أمر الديانات والشرائع خصوصا في زمان الجاهلية الذي رجاله لا يعرفون ذلك فضلا عن نسائه، ولهذا لما بعث النبي صلى الله عليه وسلم تعجب من بعثته أهل مكة وقالوا بعث الله بشرا رسولا، وقالوا "لو شاء ربنا لأنزل ملائكة ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين" فلو كان عندهم علم من بعثة الرسل ما أنكروا ذلك، وربما كانوا يظنون أن إبراهيم بعث بما هم عليه فإنهم لم يجدوا من يبلغهم

الصفحة 166