كتاب الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني (اسم الجزء: 8)

__________
ولا تغتر بكثرة من يخالفه فقد قال أبو علي الفضيل بن عياض رضي الله عنه ما معناه "الزم طرق الهدى ولا يغرك قلة السالكين وإياك وطرق الضلالة ولا تغتر بكثرة الهالكين" وقد روينا في سنن البيهقي ما يقتضي ما قلته، وأما ما يفعله الجهلة من القراء على الجنازة بدمشق وغيرها من القراءة بالتمطيط وإخراج الكلام عن موضوعه فحرام بإجماع العلماء، وقد أوضحت قبحه وغلظ تحريمه وفسق من تمكن من إنكاره فلم ينكره في كتاب آداب القراء، والله المستعان أهـ (وقال ابن قدامة في المغني) ويكره رفع الصوت عند الجنازة لنهي النبي صلى الله عليه وسلم أن نتتبع الجنازة بصوت (قال ابن المنذر) روينا عن قيس بن عباد أنه قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يكرهون رفع الصوت عند ثلاث، عند الجنائز وعند الذكر وعند القتال (وذكر الحسن عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا يستحبون خفض الصوت عند ثلاث فذكر نحوه، وكره سعيد بن المسيب وسعيد بن جبير والحسن والنخعي وإمامنا "يعني الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله" واسحق قول القائل خلف الجنازة استغفروا له، وقال الأوزاعي بدعة وقال عطاء محدثة، وقال سعيد بن المسيب في مرضه إياي وحاديهم هذا الذي يحدوا لهم يقول استغفروا له غفر الله لكم (وقال فضيل بن عمرو) بيننا ابن عمر في جنازة إذ سمع قائلا يقول استغفروا له غفر الله لكم، فقال ابن عمر لا غفر الله لك، رواهما سعيد أهـ (قلت) ومثل ذلك (قالت الحنفية والمالكية) أي بكراهة رفع الصوت أمام الجنازة ولو بذكر أو قراءة، وفي دعاء ابن عمر رضي الله عنهما بعدم المغفرة على من رفع صوته بقوله استغفروا لأخيكم أعظم زجر في رفع الصوت عند الجنازة، وروى مثله علي بن مسعود أيضا، فأين هذا مما يفعله أهل هذا العصر من استحضار الموسيقى وجعلها أمام الجنازة، ورفع الأصوات بأنواع مختلفة من الأذكار والقراءة والدلائل، وكل ذلك بتحريف وتمطيط يغضب الله عز وجل فهذا حرام بالإجماع كما قال النووي، فيجب على كل عالم في بلد أن ينهي عن هذه المنكرات والبدع والخرافات ويبين لهم قبحها وسوء عاقبتها، ويدلهم على ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وما ذهب إليه أئمة الدين من بعده، وأن يخلص لهم في القول مراعيا الحكمة والموعظة الحسنة، فإنه إن فعل ذلك جنى ثمرة قوله وإلا كان آثما، هذا فيما يختص باتباع الجنازة بصوت أو نار (وأما إتباع النساء الجنازة) فظاهر النهي عنه التحريم كما أسلفنا، لكن النووي رحمه الله يكره لهن إتباعها ولا يحرم، قال وهذا هو الصواب، وهو الذي قاله أصحابنا قال وأما قول الشيخ نصر المقدمي رحمه الله، لا يجوز للنساء إتباع الجنازة فمحمول على كراهة التنزيه، فإن أراد به التحريم فهو مردود مخالف لقول الأصحاب بل للحديث الصحيح، قالت أم عطية رضي الله عنها "نهينا عن إتباع الجنائز ولم يعزم علينا، رواه البخاري ومسلم

الصفحة 24