كتاب الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني (اسم الجزء: 8)

.
__________
وطين بطين أحمر من العرصة، وحكي في البحر عن الهادي والقاسم أنه لا بأس بالتطيين لئلا ينطمس، وقال الإمام يحيى وأبو حنيفة يكره أهـ (قلت) المختار عند الحنفية عجم الكراهة (وقالت المالكية) يكره ما لم يتوقف منع الرائحة على تطيينه وإلا جاز (ومنها أيضا) النهي عن البناء على القبور، وظاهره التحريم وبه جزم ابن حزم، وهذا النهي يشمل البناء على نفس القبر ليرتفع عن أن ينال بالوطء كما يفعله كثير من الناس، والبناء حوله كقبة أو مدرسة أو مسجد أو بيوت للاستراحة فيها عند الزيارة ونحوها، وقد حمله الأئمة على الكراهة إذا لم يقصد بالبناء الزينة والتفاخر وإلا كان ذلك حراما، وهذا إذا كانت الأرض غير مسبلة ولا موقوفة، والمسبلة هي التي اعتاد الناس الدفن فيها ولم يسبق لأحد ملكها، والموقوفة هي ما وقفها مالك بصيغة الدفن كقرافة مصر التي وقفها عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أما الموقوفة والمسبلة، فيحرم فيها البناء مطلقا لما في ذلك من الضيق والتحجير على الناس (وقالت الحنابلة بكراهة البناء مطلقا سواء كانت الأرض مسبلة أم لا، إلا أنه في المسبلة أشد كراهة (وقال العلامة الأمير) المالكي رحمه الله، وحرم موقوفة كأعداده القبر حال الحياة، وسمعت شيخنا يقول رب مصر كالملك فيجوز إعداده أي القبر، قال محشيه الشيخ الحجازي رحمه الله "وقوله وحرم موقوفة" إلا أن يكون يسيرا كما في الخطاب، ومثل الموقوفة المسجد عند جواز الدفن فيه، قال الفاكهاني على الرسالة لأن في ذلك تضييقا على الناس (قال الشافعي) وقد رأيت من الولاة من يهدم بمكة ما بني بها، ولم أر الفقهاء يغيرون عليه، وقد أفتى من تقدم من جملة العلماء عل ما أخبرني به من أثق به يهدم ما بني بقرافة مصر وإلزام البانين فيها حمل النقض وإخراجه منها إلى موضع غيرها أهـ وقد كان هذا قبل أن يتغالوا فيها بالبناء والتفنن فيه ونبش القبور لذلك وتصويب المراحيض على أموات المسلمين من الأشراف والعلماء والصالحين وغيرهم، فكيف في هذا الزمان وقد تضاعف ذلك جدا حتى كأنهم لم يجدوا من البناء فيها بدا، وجاء في ذلك أشياء إذا فتحت على ولي الأمر أرشده الله لأمر بهدمها وتخريبها حتى يعود طولها عرضا وسماؤها أرضا، ولو لم يكن في البناء فيها مفسدة إلا الضيق على الناس لكان كافيا في وجوب الهدم، فكيف وقد انضاف لذلك هتك الحريم واختلاط البرئ بالسقيم، فإنهم استباحوا التكشف فيها واتخذوه ديدنا لا يستحيون من الله تعالى ولا من الناس، وخالفوا في ذلك الكتاب والسنة والإجماع والقياس، وربما أضافوا لذلك آلات الباطل من الدفوف والشبابات "الغاب" واقتحموا في ليالي الجمع وغيرها تعاطي هذه المحرمات واستهانوا بحرمة القبور، وارتكبوا بين ظهرانيها الفجور، وربما أكلوا الحشيش وشربوا الخمور، وهذا مع أنها مواطن الاعتبار ةتذكر الموت وخوف عقوبة الجبار

الصفحة 84