كتاب الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني (اسم الجزء: 8)

__________
أصحابنا) والتعزية بعد الدفن أفضل منها قبله، لأن أهل الميت مشغولون بتجهيزه، ولأن وحشتهم بعد دفنه لفراقه أكثر، هذا إذا لم ير منهم جزعا شديدا، فإن رآه قدم التعزية ليسكنهم، والله أعلم أهـ أذكار (وفي أحاديث الباب) أيضا فضل عظيم وثواب جسيم لمن عزى مصابا ولمن ابتلى فصبر واسترجع، ومن نظر إلى حديث أسامة بن زيد المذكور في الباب، وإلى قوله صلى الله عليه وسلم فيه لابنته "إن لله ما أخذ ولله ما أعطى وكل شئ عنده بأجل مسمى فمرها فلتصبر ولتحتسب" من نظر إلى هذا الحديث بعين الأنصاف والتأمل والاعتبار هان عليه مصائب الدنيا (قال النووي رحمه الله) في كتابه الأذكار هذا الحديث من أعظم فواعد الإسلام المشتملة على مهمات كثيرة من أصول الدين وفروعه والآداب والصبر على النوازل كلها ملك لله تعالى، فلم يأخذ ما هو لكم بل أخذ ما هو له عندكم في معنى العارية "ومعنى له ما أعطى" أن ما وهبه لكم ليس خارجا عن ملكه بل هو له سبحانه يفعل فيه ما يشاء، وكل شئ عنده بأجل مسمى، فلا تجزعوا فإن من قبضه قد انتهى أجله المسمى؛ فمحال تأخره أو تقدمه عنه، فإذا علمتم هذا كله فاصبروا واحتسبوا ما نزل بكم، والله أعلم قال وروينا في كتاب النسائي بإسناد حسن عن معاوية بن قرة بن إياس عن أبيه رضي عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم فقد بعض أصحابه فسأل عنه، فقالوا يا رسول الله بنيه الذي رأيته هلك؛ فلقيه النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن بنيه فأخبره أنه هلك فعزاه عليه، ثم قال يا فلان أيما كان أحب إليك، أن تمتع به عمرك أو لا تأتي غدا بابا من أبواب الجنة إلا وجدته قد سبقك إليه يفتحه لك، قال يا نبي الله بل يسبقني إلى الجنة فيفتحها لهو أحب إلى، قال فذلك لك (وروى البيهقي) بإسناده في مناقب الشافعي رحمهما الله، أن الشافعي بلغه أن عبد الرحمن ابن مهدي رحمه الله مات له ابن فجزع عليه عبد الرحمن جزعا شديدا فبعث إليه الشافعي رحمه الله، مات له ابن فجزع عليه عبد الرحمن جزعا شديدا فبعث إليه الشافعي رحمه الله، يا أخي عز نفسك بما تعزي به غيرك، واستقبح من فعلك ما تستقبحه من فعل غيرك، واعلم أن آخر المصائب فقد سرور وحرمان أجر، فكيف إذا اجتمعتا مع اكتساب وزر فتناول حظك يا اخي إذا قرب منك قبل تطلبه وقد نأى عنك؛ ألهمك الله عند المصائب صبرا، وأجرز لنا ولك بالصبر أجرا وكتب إليه

إني معزيك لا أني على ثقة ... من الخلود ولكن سنة الدين
فما المعزى بباق بعد ميته ... ولا المعزي ولو عاشا إلى حين

وكتب رجل إلى بعض إخوانه يعزيه بابنه (أما بعد) فإن الولد على والده ما عاش حزن وفتنة، فإذا قدمه فصلاة ورحمة، فلا تجزع على ما فاتك من حزنه وفتنته، ولا تضيع

الصفحة 92