كتاب الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني (اسم الجزء: 8)

__________
وبذلك قال بعض أهل العلم منهم شيخ الإسلام زكريا الأنصاري الشافعي، قال وهو ظاهر في الحرمة فضلا عن الكراهة والبدعة الصادقة بكل منهما أهـ (قلت) والحكمة في الكراهة أو التحريم أن في صنع الطعام من اهل الميت زيادة على مصيبتهم وشغلالهم إلى شغلهم وتشبها بصنع أهل الجاهلية وعكسها للمشروع (قال ابن قدامة في المغنى) فإن دعت الحاجة إلى ذلك جاز فإنه ربما جاءهم من يحضر ميتهم من القرى والأماكن البعيدة ويبيت عندهم ولا يمكنهم إلا أن يضيفوه أهـ (قلت) هذا إذا لم يكن للميت أيتام أو كان ولم يصنع من مالهم، وإلا كانت الضيافة على أهل البلد، فإن كان من مال الأيتام حرم بالاتفاق (ويستفاد من حديث جرير أيضا) عدم جواز الاجتماع إلى اهل الميت كما يفعل الآن لأجل التعزية (قال النووي رحمه الله) وأما الجلوس للتعزية فنص الشافعي وصاحب المهذب وسائر الأصحاب على كراهته، ونقله الشيخ أبو حامد في التعليق وآخرون عن نص الشافعي، قالوا يعني الجلوس لها أن يجتمع أهل الميت في بيتهم فيقصدهم من أراد التعزية، وقالوا بل ينبغي أن ينصرفوا في حوائجهم فمن صادفهم عزاهم ولا فرق بين الرجال والنساء في كراهة الجلوس لها، صرح به المحاملي، ونقله عن نص الشافعي رحمه الله وهو موجود في الأم (قال الشافعي في الام) وأكره المآتم وهي الجماعة وإن لم يكن لهم بكاء، فإن ذلك يجدد الحزن ويكلف المؤنة مع ما مضى فيه من الأثر، هذا لفظه في الأم أهـ ج (وقال صاحب المهذب) ويكره الجلوس للتعزية ثلاثة أيام والمحدث بدعة (ويمثل ذلك قالت الحنابلة، وقالت الحنفية) بجواز الجلوس للتعزية ثلاثة أيام من غير ارتكاب مخذور من فرش البسط والأطعمة؛ لأنها تتخذ عند السرور أهـ. وذهب جماعة منهم إلى ما ذهب جماعة منهم إلى ما ذهب إليه الشافعية والحنابلة (وذهبت المالكية) إلى جواز ذلك، ونقل الخطاب عن سند أنه يجوز الجلوس لها ولم يذكر مدة معينة لذلك، ومحل الخلاف إذا خلا المجلس عما ينكره الشرع، وإلا امتنع بالاتفاق، فما يفعله الناس الآن من الاجتماع للتعزية وذبح الذبائح وتهيئة الطعام ونصب الخيام والقماش المزخرف بالألوان وفرش البسط وغيرها وصرف الأموال الطائلة في هذه الأمور المبتدعة التي لا يقصدون بها إلا التفاخر والرياء ليقول الناس فلان فعل كذا وكذا وأنفق كذا وكذا في مأتم أبيه مثلا، كله حرام مخالف لهدي النبي صلى الله عليه وسلم وهدي السلف الصالح من الصحابة والتابعين؛ ولم يقل به أحد من أئمة الدين، نسأل الله السلامة (وفي حديث أنس) رضي الله عنه المذكور في الزوائد دليل على عدم جواز العقر في الإسلام كما كان في الجاهلية (قال الخطابي رحمه الله) وكان أهل الجاهلية يعقرون الإبل على قبر الرجل الجواد يقولون نجازيه على فعله؛ لأنه كان يعقرها في حياته فيطعمها الأضياف فنحن نعقرها عند قبره حتى تأكلها السباع والطير فيكون مطعما بعد مماته كما كان مطعما في حياته، قال ومنهم من كان يذهب

الصفحة 96