كتاب الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني (اسم الجزء: 9)
-[مذاهب الأئمة في أحكام الباب]-
.....
__________
سبيله؛ فلا يجوز الإيثار به بل يحرم، وذلك أنه إذا آثر غيره به أدي إلا إهلاك نفسه أو الأضرار بها أو كشف عورته، فمراعاة حقه أولى على كل حال، فإذا سقطت هذه الواجبات صح الإيثار، وكانت صدقته على الأفضل لأجل ما يحتمله من مضض الفقر وشدة مشقته (قال النووي) رحمه الله وقد اختلف العلماء في الصدقة بجميع ماله، فمذهبنا أنه مستحب لمن لا دين له ولا له عيال لا يصبرون بشرط أن يكون ممن يصبر على الإضافة والفقر، فإن لم تجتمع هذه الشروط فهو مكروه (قال القاضي عياض) جوز جمهور العلماء وأئمة الأمصار الصدقة بجميع ما له وقيل يرد جميعها، وهو مروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقيل ينفذ في الثلث (وهو مذهب أهل الشام) وقيل أن زاد على النصف ردت الزيادة، وهو محكي عن مكحول: قال أبو جعفر الطبري ومع جوازه فالمستحب أن لا يفعله وأن يقتصر على الثلث أهـ (وفيه أيضًا) الحث على التعفف والقناعة والرضا بما تيسر في عفاف وإن كان قليلاً، والإجمال في الكسب، وأنه لا يغتر الإنسان بكثرة ما يحصل له بإشراف ونحوه فإنه لا يبارك له فيه، وهو قريب من قول الله تعالى "يمحق الله الربا ويربي الصدقات" (وفيها أيضً) دليل لمذهب الجمهور أن اليد العليا هي المنفقة (وقال الخطابي) المتعففة كما سبق، وقد علمت ما فيه، وأن اليد السفلي هي الآخذه (وفي حديث حكيم بن حزام) فوائد كثيرة، قال ابن أبى جمرة (منها) أنه قد يقع الزهد مع الأخذ فإن سخاوة النفس هو زهدها، تقول سخت بكذا أي جادت، وسخت عن كذا أي لم تلتفت إليه (ومنها) أن الأخذ مع سخاوة النفس يحصل أجر الزهد والبركة في الرزق، فتبين أن الزهد يحصل خيري الدنيا والآخرة (وفيه) ضرب المثل لما يعقله السامع من الأمثلة "يعني قوله وكان كالذي يأكل ولا يشبع" لأن الغالب من الناس لا يعرف البركة إلا في الشيء الكثير، فبين بالمثال المذكور أن البركة هي خلق من خلق الله تعالى وضرب لهم المثل بما يعهدون، فالآكل إنما يأكل ليشبع فإذا أكل ولم يشبع كان غناه في حقه بغير فائدة، وكذلك المال ليست الفائدة في عينة وإنما هي لما يتحصل به من المنافع، فإذا كثر عن المرء بغير تحصيل منفعة كان وجوده كالعدم (وفيه) أنه ينبغي للإمام أن لا يبني للطالب ما في مسألته من المفسدة غلا بعد قضاء حاجته لنقع موعظته له المواقع لئلا يتخيل أن ذلك سبب لمنعه من حاجته (وفيه) جواز تكرار السؤال ثلاثاً وجواز المنع في الرابع والله أعلم (وفي الحديث أيضًا) أن سؤال الأعلى ليس بعار وأن رد السائل بعد ثلاث ليس بمكروه وأن الإجمال في الطلب مقرون بالبركة، وقد زاد إسحاق بن راهويه في سنده من طريق معمر عن الزهري في آخره فمات حين مات "يعني حكيمًا" وإنه لمن أكثر قريش مالاً (وفيها أيضًا) سبب ذلك وهو أن النبي (صلى الله عليه وسلم) أعطي حكيم بن حزام دون ما أعطي الصحابة، فقال حكيم يا رسول الله ما كنت