كتاب الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني (اسم الجزء: 9)
-[بقية قصة الخضر- وكلام العلماء في أحكام أحاديث الباب]-
....
__________
عليه السلام سأخبرك من أناة أنا الخضر الذي سعت به سألني مسكين صدقة فلم يكن عندي شيء أعطيه فسألني بوجه الله فأمكنته من رقبتي فباعني. وأخبرك أنه من سئل بوجه الله فرد سائله وهو يقدر وقف يوم القيامة جلدة لا لحم له ولا عظم يقعقع "أي يضطرب ويتحرك" فقال الرجل آمنت بالله شققت عليك يا نبي الله ولم أعلم. قال لا بأس أحسنت واتقيت، فقال الرجل يأبي أنت وأمي يا نبي الله أحكم في أهلي ومالي بما شئت أو اختر فأخلى سبيلك، قال أحب أن تخلي سبيلي فاعبد ربي. فاخلى سبيله، فقال الخضر الحمد لله الذي أوثقني في العبودية ثم نجاني منها، أورده الهيثمي وقال رواه الطبراني في الكبير ورجاله موثقون، إلا أن فيه بقية بن الوليد وهو مدلس. ولكنه ثقة (وعنه أيضًا رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لو أن المساكين صدقوا ما أفلح من ردهم، رواه الطبراني في الكبير وفيه جعفر بن الزبير وهو ضعيف (الأحكام) أحاديث الباب تدل على تحسين الظن بالمسلمين ومساعدتهم والعطف على السائل بإجابة طلبه بقدر الإمكان وعدم رده خائبًا (وفيها أيضًا) دلالة على أن المتصدق لا يمنع من الصدقة لقلة ما يتصدق به وحقارته، فإن قليل الخير كثير عند الله وما قبله الله تعالى وبارك فيه فليس هو بقليل. قال تعالى: {فمن يعمل مثقال ذرة خيرًا يره} فإن لم يجد شيئًا أصلاً فليرد السائل بكلمة طيبة، فعند البخاري ومسلم والأمام أحمد. وسيأتي في فضل صدقة التطوع من حديث عدى بن حاتم الطائي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من استطاع منكم أن يتقى النار فليتصدق ولو بشق تمرة فمن لم يجد فبكلمة طيبة" وعند الأمام أحمد أيضًا في الباب المذكور من حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها يا عائشة استترى من النار ولو بشق تمرة فإنها تسد من الجائع مسدها من الشبعان، وفي المسألة أحاديث كثيرة صحيحة مشهورة (وفي أحاديث الباب أيضًا) دلالة على أنه ينبغي للمتصدق أن لا يحصى ما تصدق به أو على كم مسكين تصدق اليوم أو أمس مثلاً فإنه لو فعل ذلك ربما استكثر ما تصدق به فيمسك عن الصدقة فيقتر الله عليه رزقه (وفي حديثي ابن عباس وابن عمر) رضي الله عنهم دلال على أن من سأل بالله أو توسل به لحاجة تقضي حاجته اجلالا لله عز وجل، وتقدم الكلام على ذلك في الشرح (وفيها أيضًا) مشروعية إجابة الداعي ومكافأة صاحب المعروف ولو بالدعاء إن لم يجد ما يكافئه به، وفيها غير ذلك. والله أعلم (تنبيه) ما ذكرناه من العطف على السائل واعطائه وعدم رده خائبًا محله إذا كان محتاجًا وصادقًا في سؤاله ولم يسأل إلا لضرورة كما كان عليه الناس الفقراء في مدة السلف أو كان مستور الحال لا يعلم حاله للمتصدق، أما الشحاذون الآن فينذر فيهم جدًا الذي يسأل لحاجة وكلهم إلا النزر اليسير اتخذوا السؤال