كتاب الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني (اسم الجزء: 9)
-[الخلاف بين أبي حنيفة والجمهور في مقدار ما يجزئ من القمح]-
.....
__________
(وحجة الجمهور) حديث أبي سعيد الأول من أحاديث الباب لقوله فيه صاعا من طعام أو صاعا من تمر أو صاعا من شعير أو صاعا من زبيب أو صاعا من أقط (قال النووي رحمه الله) والدلالة فيه من وجهين (أحدهما) أن الطعام في عرف أهل الحجاز اسم للحنطة خاصة لاسيما وقد قرنه بباقي المذكورات (والثاني) أنه ذكر أشياء قيمتها مختلفة وأوجب في كل نوع منها صاعا، فدل على أن المعتبر صاع ولا نظر إلى قيمته، ووقع في رواية لأبي داود صاعا من حنطة قال وليس بمحفوظ، وليس للقائلين بنصف صاع حجة إلا حديث معاوية وهو الذي يعتمده أبو حنيفة وموافقوه في جواز نصف صاع حنطة، والجمهور يجيبون عنه بأنه قول صحابي وقد خالفه أبو سعيد وغيره ممن هو أطول صحبة وأعلم بأحوال النبي صلى الله عليه وسلم، وإذا اختلف الصحابة لم يكن قول بعضهم بأولى من بعض فنرجع إلى دليل آخر، وجدنا ظاهر الأحاديث والقياس متفقا على اشتراط الصاع من الحنطة كغيرها فوجب اعتماده، وقد صرح معاوية بأنه رأى رآه لا أنه سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم ولو كان عند أحد من حاضرى مجلسه مع كثرتهم في تلك اللحظة علم في موافقة معاوية عن النبي صلى الله عليه وسلم لذكره كما جرى لهم في غير هذه القصة أهـ (وحكى الحافظ) عن ابن المنذر أنه قال لا نعلم في القمح خبراً ثابتًا عن النبي صلى الله عليه وسلم يعتمد عليه ولم يكن البر بالمدينة في ذلك الوقت إلا الشيء اليسير منه، فلما كثر في زمن الصحابة رأوا أن نصف صاع منه يقوم مقام صاع من شعير، وهم الأئمة فغير جائز أن يعدل عن قولهم إلا إلى قول مثلهم، ثم أسند عن عثمان وعلي وأبي هريرة وجابر وابن عباس وابن الزبير وأمه أسماء بنت أبي بكر بأسانيد صحيحة أنهم رأوا أن في زكاة الفطرة نصف صاع من قمح أهـ (قال الحافظ) وهذا مصير منه إلى اختيار ما ذهب إليه الحنفية، لكن حديث أبي سعيد دال على أنه لم يوافق على ذلك، وكذلك ابن عمر فلا إجماع في المسألة خلافا للطحاوي أهـ (قلت) ورجح الشوكاني ما ذهب إليه الجمهور، قال لأن النبي صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه وسلم فرض صدقة الفطر صاعا من طعام والبر مما يطلق عليه اسم الطعام إن لم يكن معهودا عندهم غالبًا فيه كما تقدم، وتفسيره بغير البر إنما هو لكونه لم يكن معهودا عندهم الصاع منه، ويمكن أن يقال إن البر على تسليم دخوله تحت لفظ الطعام مخصص بما أخرجه الحاكم من حديث ابن عباس مرفوعا بلفظ "صدقة الفطر ميدان من قمح" وأخرج نحوه الترمذي من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا أيضا وأخرج نحوه الدارقطني من حديث عصمة بن مالك وفي إسناده الفضل بن المختار وهو ضعيف، وأخرج أبو داود والنسائي عن الحسن مرسلا بلفظ "فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الصدقة صاعا من تمر أو من شعير أو نصف صاع من قمح، وأخرج أبو داود من حديث عبد الله بن ثعلبة أو ثعلبة بن عبد الله بن أبي صغير بلفظ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "صدقة الفطر صاع