كتاب الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني (اسم الجزء: 9)

-[كلام العلماء فى أحكام الباب]-
(2) باب أفضل الصدقة
(209) عن أبى هريرة رضى الله عنه قال قال رجلٌ (1) يا رسول الله أىُّ الصَّدقة أفضل؟ قال أن تصدَّق (2) وأنت شحيحٌ (3) صحيح تأمل العيش وتخشى الفقر ولا تمهل (4) حتَّى إذا كانت بالحلقوم قلت لفلانٍ كذا ولفلانٍ
__________
التسويف بالصدقة لما فى المسارعة إليها من تحصيل النمو وكثرة البركة، ولأن التسويف بها قد يكون ذريعة الى عدم القابل لها، إذ لا يتم مقصود الصدقة إلا بمصادقة المحتاج اليها، وقد أخبر الصادق صلى الله عليه وسلم أنه سيقع فقد الفقراء المحتاجين الى الصدقة بأن يخرج الغنى صدقته فلا يجد من يقبلها (فان قيل) ان من أخرج صدقته مثاب على نيته ولو لم يجد من يقبلها (فالجواب) أن الواجد يثاب ثواب المجازاة والفضل، والناوى يثاب ثواب الفضل فقط والأول أربح (وفيها) أن أصحاب الأموال الذين لا يتصدقون بفضل أموالهم من الهالكين (وفيها) أنه ليس يبقى للأنسان الا ما قدمه فى حياته وأنه ينفعه بعد مماته، أما ما تركه للورثة فلا ينفع إلا الورثة (وفى حديث أبى سعيد) الأخير من أحاديث الباب الحث على الصدقة أيضا والجود والمواساة والأحسان الى الرفقة والأصحاب والاعتناء بمصالحهم وأمر كبير القوم بمواساة المحتاج وأنه يكتفى فى حاجة المحتاج بتعرضه للعطاء وتعريضه من غير سؤال (وفيه) مواساة ابن السبيل والصدقة عليه إذا كان محتاجا وان كان له راحلة وعليه ثياب أو كان موسرا فى وطنه، ولهذا يعطى من الزكاة فى هذه الحال، وفى أحاديث الباب غير ذلك كثير تقدم فى خلال الشرح والله أعلم
(209) عن أبى هريرة (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا وكيع عن سفيان عن عمارة بن القعقاع عن أبى زرعة عن أبى هريرة- الحديث" (غريبه) (1) قال الحافظ لم أقف عن اسمه، قيل يحتمل أن يكون أبا ذر لأنه ورد فى مسند أحمد أنه سأل أى الصدقة أفضل، وكذا عند الطبرانى، لكنه أجيب جهد من مقل (2) بتخفيف الصاد وحذف إحدى التاءين، أو بأبدال إحدى التاءين صادا وإدغامها فى الصاد، وهى فى موضع رفع خبر المبتدأ المحذوف تقديره أفضل الصدقة أن تصدق أى بأن تصدق (3) صفة مشبهة من الشح وهو بخل مع حرص (والصحيح) الذى لم يعتره مرض مخوف ينقطع عنده أمله من الحياة، وإنما كانت صدقة الشحيح الصحيح أفضل من غيرها، لأن فى ذلك مجاهدة النفس على إخراج المال الذى هو شقيق الروح خوفا من هجوم الأجل مع قيام المانع وهو الشح، وليس هذا إلا من قوة الرغبة فى القربة وصحة العقيدة "وقوله تأمل العيش" تفسير لقوله وأنت صحيح وقوله "وتخشى الفقر" تفسير لقوله شحيح" (4) بالجزم على النهي

الصفحة 163