كتاب الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني (اسم الجزء: 9)

-[سبب قوله صلى الله عليه وسلم إن الشهر يكون تسعا وعشرين وقصة ذلك]-
فقالت عائشة رضى الله عنها غفر الله لأبي عبد الرحمن إنه وهل (1) إنما هجر رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه شهرًا، فنزل لتسعٍ وعشرين، فقالوا يا رسول الله إنك نزلت لتسعٍ وعشرين، فقال إن الشهر يكون تسعًا وعشرين
(42) عن ابن عمر رضى الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إنا أمة أمية
__________
عشرة فالمرتان بعشرين، وفي المرة الثالثة قبض إبهام إحدى يديه إشارة إلى أنها ليست داخلة في العدد. فيكون العدد تسعًا وعشرين، وقد جمع صلى الله عليه وسلم بذلك بين القول والإشارة للاهتمام بالأمر وتفهيمه للسامعين، وهكذا ينبغي للمعلم أن يعد وسائل التفهيم لمن يعلمه حتى ينتفع بعلمه (1) هذه الجملة من قوله "فذكروا ذلك لعائشة إلى قوله إنه وهل" لم أقف عليها لغير الأمام أحمد، والظاهر أن عائشة رضى الله عنها بلغها أن ابن عمر فهم من قوله صلى الله عليه وسلم "الشهر تسع وعشرون" أن كل شهر يكون تسعًا وعشرين، ولهذا قالت غفر الله لأبي عبد الرحمن تعنى ابن عمر رضي الله عنهما لما تعلمه فيه من تمسكه بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم وفعله، وحملت ما بغلها عنه على أنه وهل في فهم الحديث أي ذهب وهمه إلى ما بلغها، يقال وهل إلى الشيء بالفتح يهل بالكسر وهلا بالسكون إذا ذهب وهمه إليه، ويجوز أن يكون بمعنى سها وغلط، يقال منه وهل في الشيء وعن الشيء بالكسر يوهل وهلا بالتحريك ثم ذكرت عائشة رضى الله عنها الحديث مع سببه لتدفع به ما بلغها عن ابن عمر، وفيه التصريح بأن الشهر يكون تسعا وعشرين (أي في بعض الأحيان) لا أن كل شهر تسع وعشرون وقد يكون المبلغ أخطأ في فهم قول ابن عمر، فبلغها ذلك خطأ وهو الغالب، لأن حرص ابن عمر رضى الله عنهما على فهم الحديث والعمل به ينافى ذلك. لاسيما وقد جاء في حديثه الآتى بعد هذا ما يفهم منه أن الشهر تارة يكون تسعا وعشرين وتارة يكون ثلاثين، فالخطأ ممن بلغ عائشة لا من ابن عمر. والله أعلم، وسبب هجر النبي صلى الله عليه وسلم نساءه أنهن اجتمعن حوله يطلبن منه النفقة بما ليس عنده ولا يقدر عليه، فأقسم أن يعتزلهن شهرا. وسيأتى ذلك في تفسير قوله تعالى "يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها الآية - في سورة الأحزاب من كتاب التفسير، وقد جاء حديث "الشهر تسع وعشرون" من عدة طرق عن كثير من الصحابة ستأتي جميعها في كتاب الأيلاء إن شاء الله تعالى وسيأتى قريبًا طرف منه في باب ما جاء خاصا بنقص الشهر (تخريجه) (ق. د. نس هق) بدون ذكر قصة عائشة. وأخرجها الشيخان وغيرهما حديثا مستقلا.
(42) عن ابن عمر (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبي ثنا محمد بن جعفر

الصفحة 252