كتاب الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني (اسم الجزء: 9)

-[كلام العلماء في أحكام أحاديث الباب - وتفسيرهم قوله صلى الله عليه وسلم "فاقدروا له"]-
.....
__________
الذين آمنوا لا تقدموا بين يدى الله ورسوله) رواه الطبراني في الأوسط وفيه حبان بن رقيدة وهو مجهول. قاله الهيثمي (الأحكام) أحاديث الباب تدل على جملة مسائل (منها) الأمر بصوم رمضان عند رؤية هلاله سواء أكان شعبان تاما أو ناقصًا، والفطر منه عند رؤية هلال شوال سواء أكان رمضان تاما أم ناقصا، والتام ثلاثون يوما والناقص تسعة وعشرون، يدل على ذلك حديث طلق بن علي وأبي هريرة وابن عباس بلفظ (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته - الحديث) وفي حديث لأبي هريرة أيضًا (إذا رأيتموه فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا) وقد جاء في أحاديث الباب عن ابن عباس وغيره النهي عن صوم رمضان قبل رؤية هلاله إذا لم يكمل شعبان ثلاثين يوما، والنهي عن الفطر قبل رؤية هلال شوال إذا لم يكمل رمضان ثلاثين يوما، وجاء أيضًا في حديث ابن عمر مرفوعا بلفظ "لا تصوموا حتى تروه، ولا تفطروا حتى تروه فإن غم عليكم فاقدروا له" وظاهره إيجاب الصوم حين الرؤية متى وجدت ليلاً أو نهارًا وكذلك الفطر من رمضان، لكنه محمول على اليوم المستقبل في الصوم والفطر (وبعض العلماء) فرق بين ما قبل الزوال أو بعده، وخالف الشيعة الإجماع فأوجبوه مطلقًا، وقوله في حديث ابن عمر (لا تصوموا حتى تروه ولا تفطروا حتى تروه) ظاهر في النهي في ابتداء صوم رمضان قبل رؤية الهلال فيدخل فيه صورة الغيم وغيرها، ولو وقع الاقتصار على هذه الجملة لكفى ذلك لمن تمسك به، لكن اللفظ الذي رواه أكثر الرواة أوقع للمخالف شبهة وهو قوله (فإن غم عليكم فاقدروا له) فاحتمل أن يكون المراد التفرقة بين الصحو والغيم فيكون التعليق على الرؤية متعلقًا بالصحو، وأما الغيم فله حكم آخر، ويحتمل أن لا تفرقة ويكون الثاني مؤكدًا للأول (وقد اختلف العلماء) في تفسير قوله فاقدروا له * (فذهبت الحنفية والمالكية والشافعية) وجمهور السلف والخلف إلى أن معناه فاقدروا له تمام العدد ثلاثين يوما، أي انظروا في أول الشهر واحسبوا تمام ثلاثين يوما، وما ذهب إليه الجمهور يوافق معنى اللفظ لغة (قال أهل اللغة) يقال قدرت الشيء بالتخفيف أقدره بضم الدال وكسرها وقدرته بالتشديد وأقدرته بهمزة أوله وكلها بمعنى واحد وهو التقدير، قال الخطابي ومنه قوله تعالى (فقدرنا فنعم القادرون) ويدل لذلك قوله في رواية لمسلم فاقدروا ثلاثين، وفي رواية فأتموا العدة ثلاثين يوما، وفي رواية فعدوا ثلاثين يوما، وأولى ما فسر الحديث بالحديث (وذهب آخرون) إلى أن معنى قوله صلى الله عليه وسلم فاقدروا له، ضيقوا له وقدروه تحت السحاب، ومن قال بهذا أوجب الصيام من الغد ليلة الثلاثين من شعبان إذا كان في محل الهلال ما يمنع رؤية من غيم وغيره (وهذا مذهب ابن عمر) راوى الحديث وفيه قال نافع فكان عبد الله (يعنى ابن عمر) إذا مضى من شعبان

الصفحة 258