كتاب الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني (اسم الجزء: 9)

-[كلام الحافظ ابن القيم في توجيه ما ذهب إليه جماعة من الصحابة من صوم يوم الشك]-
.....
__________
تدل على قولهم بصيامه (ثم أجاب عن ذلك بقوله ليس فيما ذكر عنهم أثر صالح صريح في وجوب صومه حتى يكون فعلهم مخالف لهدى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وإنما غاية المنقول عنهم صومه احتياطا، وقد صرح أنس بأنه إنما صامه كراهة للخلاف على الأمراء، ولهذا قال الأمام أحمد في رواية (الناس تبع للأمام في صومه وإفطاره) والنصوص التي حكيناها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من فعله، وقوله إنما تدل على أنه لا يجب صوم يوم الأغمام ولا تدل على تحريمه، فمن أفطره أخذ بالجواز، ومن صامه أخذ بالاحتياط (ثم قال رحمه الله) ويدل على أنهم إنما صاموه استحبابا وتحريا ما روى عنهم من فطره بيانا للجواز، فهذا ابن عمر قال حنبل في مسائله حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا وكيع عن سفيان عن عبد العزيز بن حكيم الحضرمي قال سمعت ابن عمر يقول لو صمت السنة كلها لأفطرت اليوم الذي يشك فيه، قال احنبل وحدثنا أحمد بن حنبل حدثنا عبيدة بن حميد قال أخبرنا عبد العزيز بن حكيم قال سألوا ابن عمر قالوا نسبق قبل رمضان حتى لا يفوتنا منه شيء؟ فقال أف أف صوموا مع الجماعة فقد صح عن ابن عمر أنه قال "لا ينقد من الشهر منكم أحد" وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال "صوموا لرؤية الهلال وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فعدوا ثلاثين" كذلك قال على بن أبي طالب رضى الله عنه إذا رأيتم الهلال فصوموا لرؤيته وإذا رأيتموه فأفطروا فإن غم عليكم فأكملوا العدة (وقال ابن مسعود) رضى الله عنه فإن غم عليكم فعدوا ثلاثين، فهذه الآثار إن قدر أنها معارضة لتلك الآثار التي رويت عنهم في الصوم فهذه أولى لموافقتها النصوص المرفوعة لفظا ومعنى، وإن قدر أنها لا تعارض بينها، فها هنا طريقان من الجمع (أحدهما) حملها على غير صورة الإغمام أو على الأغمام في آخر الشهر كما فعله الموجبون للصوم (والثاني) حمل آثار الصوم عنهم على التحرى والاحتياط استحبابا لا وجوبا؛ وهذه الطريقة أقرب إلى موافقة النصوص وقواعد الشرع، وفيها السلامة من التفريق بين يومين متساويين في الشك فيجعل أحدهما يوم شك والثاني يوم يقين مع حصول الشك فيه قطعا، أو تكليف العبد اعتقاد كونه من رمضان قطعا مع شكه هل هو منه أم لا تكليف بما لا يطاق وتفريق بين المتماثلين والله أعلم أهـ (قال الشوكاني) واستدل المجوزون لصومه بأدلة (منها) ما أخرجه ابن أبي شيبة والبيهقي عن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصومه، وأجيب عنه بأن مرادها أنه كان يصوم شعبان كله لما أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي (قلت والأمام أحمد وسيأتي في صوم شعبان) من حديثها قالت ما رأيته يصوم شهرين متتابعين إلا شعبان ورمضان وهو غير محل النزاع، لأن ذلك جائز عند المانعين من صوم يوم الشك لما في الحديث الصحيح المتفق عليه من قوله صلى الله عليه وسلم "إلا رجلا كان يصوم صوما فليصمه"

الصفحة 263