كتاب الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني (اسم الجزء: 9)

-[مذاهب العلماء في أنه هل يعتبر، اختلاف المطالع في رؤية الهلال]-
.....
__________
الذي فهم عنه الناس، والمشار إليه بقوله هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم هو قوله فلا نزال نصوم حتى نكمل ثلاثين. والأمر الكائن من رسول الله صلى الله عليه وسلم هو ما أخرجه الشيخان وغيرهما بلفظ "لا تصوموا حتى تروا الهلال. ولا تفطروا حتى تروه. فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين" وهذا لا يختلف بأهل ناحية على جهة الانفراد؛ بل هو خطاب لكل من يصلح له من المسلمين، فالاستدلال به على لزوم رؤية أهل بلد لغيرهم من أهل البلاد أظهر من الاستدلال به على عدم اللزوم، لأنه إذا رآه أهل بلد فقد رآه المسلمون فيلزم غيرهم ما لزمهم، ولو سلم توجه الإشارة في كلام ابن عباس إلى عدم لزوم رؤية أهل بلد لأهل بلد آخر لكان عدم اللزوم مقيدا بدليل العقل وهو أن يكون بين القطرين من البعد ما يجوز معه اختلاف المطالع، وعدم عمل ابن عباس برؤية أهل الشام مع عدم البعد الذي يمكن معه الاختلاف عمل بالاجتهاد وليس بحجة، ولو سلم عدم لزوم التقييد بالعقل فلا يشك عالم أن الأدلة قاضية بأن أهل الأقطار يعمل بعضهم بخبر بعض وشهادته في جميع الأحكام الشرعية والرؤية من جملتها، وسواء كان بين القطرين من البعد ما يجوز معه اختلاف المطالع أم لا فلا يقبل التخصيص إلا بدليل، ولو سلم صلاحية حديث كريب هذا للتخصيص فينبغي أن يقتصر فيه على محل النص إن كان النص معلوما. أو على المفهوم منه إن لم يكن معلوما لوروده على خلاف القياس. ولم يأت ابن عباس بلفظ النبي صلى الله عليه وسلم ولا بمعنى لفظه حتى تنظر في عمومه وخصوصه، إنما جاءنا بصيغة مجملة أشار بها إلى قصة هي عدم عمل أهل المدينة برؤية أهل الشام على تسليم أن ذلك المراد. ولم نفهم منه زيادة على ذلك حتى نجعله مخصصا لذلك العموم. فينبغي الاقتصار على المفهوم من ذلك الوارد على خلاف القياس وعدم الألحاق به، فلا يجب على أهل المدينة العمل برؤية أهل الشام دون غيرهم، ويمكن أن يكون في ذلك حكمة لا نعقلها، ولو سلم صحة الألحاق وتخصيص العموم به فغايته أن يكون في المحلات التي بينها من البعد ما بين المدينة والشام أو أكثر، وأما في أقل من ذلك فلا، وهذا ظاهر. فينبغي أن ينظر ما دليل من ذهب إلى اعتبار البريد أو الناحية أو البلد في المنع من العمل بالرؤية، (والذي ينبغي اعتماده) هو ما ذهب إليه المالكة وجماعة من الزيدية واختاره المهدي منهم، وحكاه القرطبي عن شيوخه أنه إذا رآه أهل بلد لزم أهل البلاد كلها، ولا يلتفت إلى ما قاله ابن عبد البر من أن هذا القول خلاف الأجماع، قال لأنهم قد أجمعوا على أنه لا ترعى الرؤية فيما بعد من البلدان كخراسان والأندلس، وذلك لأن الاجماع لا يتم والمخالف مثل هؤلاء الجماعة أهـ (قلت) يريد بالجماعة (أبا حنيفة ومالكا وأحمد بن حنبل) رحمهم الله والله أعلم

الصفحة 272