كتاب الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني (اسم الجزء: 9)
-[كراهة تعمد الخبيث ودفعه فى الصدقة- وما جاء فى خراب المدينة]-
فغمز القنو بالعصا الَّتى فى يده قال لو شاء ربُّ هذه الصَّدقة تصدَّق بأطيب منها، إنَّ ربَّ هذه الصَّدقة ليأكل الحشفة يوم القيامة قال ثم أقبل علينا، فقال أما والله يا أهل المدينة لتدعنَّها أربعين عامًا للعوافي قال
__________
تنفقون} قال نزلت فى الأنصار، كانت الأنصار تخرج إذا كان جداد النخل من حيطانها أقناء البسر فيعلقونه على حبل بين اسطوانتين فى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فيأكل منه فقراء المهاجرين، فيعمد أحدهم فيدخل قنوًا فيه الحشف يظن انه جائز فى كثرة ما يوضع من الأقناء، فنزل فيمن فعل ذلك {ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون} يقول لا تعمدوا للحشف منه تنفقون {ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه} يقول لو أهدى لكم ما قبلتموه إلا على استحياء من صاحبه غيظًا أنه بعث اليكم ما لم يكن لكم فيه حاجة {واعلموا أن الله غنى} عن صدقاتكم (1) لفظ ابن ماجه ((فجعل يطعن يدقدق فى ذلك القنو)) أى يضربه بالعصا يشير إلى حقارة ذلك القنو، وأن صاحبه لم يؤد ما طلب منه على الوجه الأكمل (2) يعنى يجازى على فعله السيئ، وأطلق الأكل على الجزاء مشاكلة، ويحتمل أن يكون جزاؤه أكل الحشف حقيقة بأن يخلق الله له شهوة أكله جراء صنعه (3) الظاهر والله أعلم أن ذلك فى آخر الزمان عند خراب المدينه كما فى رواية عند الأمام أحمد عن أبى هريرة، وستأتى فى أبواب فضائل المدينة، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدعن أهل المدينة المدينة وهى خير ما يكون مرطبة مونعة، فقيل من يأكلها؟ قال الطير والسباع (وروى مسلم عن أبى هريرة أيضًا) قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول تتركون المدينة على خير ما كانت لا يغشاها إلا العوافى يعنى السباع والطير ثم يخرج راعيان من مزينة يريدان المدينة ينعقان بغنمهما فيجدانها وحشًا ((أى خلاء لا ساكن بها)) حتى إذا بلغا ثنية الوداع خرَّا على وجوههما، وفى رواية عن حذيفة رضى الله عنه قال أخبرنى رسول الله صلى الله عليه وسلم بما هو كائن إلى قيام الساعة، فما منه شئ إلا وقد سألته عنه إلا أنى لم أسأله عما يخرج أهل المدينة من المدينة، زاد فى رواية لابن أبي شيبة عن أبى هريرة مرفوعًا يخرجهم أمراء السوء (وفى رواية أخرى) يخرج أهل المدينة من المدينة ثم يعودون اليها فيعمرونها حتى تملأ ثم يخرجون منها فلا يعودون اليها أبدًا، قيل فمن يأكل رطبها وبسرها؟ قال الطير والسباع ((وقد فسر بعض العلماء)) هذه الأحاديث بما وقع لأهل المدينة فى خلافة يزيد بن معاوية (قال الأمام القرطبى فى التذكرة) وقد وقع ما أخبر به النبى صلى الله عليه وسلم من خراب المدينة لما ارتحل أهلها منها وتحولت الخلافة الى الشام، وكانت معقل الخلافة، فوجه يزيد بن معاوية مسلم بن عقبة فى جيش عظيم من أهل الشام، فنزل