كتاب الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني (اسم الجزء: 9)
-[تفسير قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا انفقوا من طيبات ما كسبتم- الآية) وسبب نزولها]-
.....
__________
أبيه قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجعرور ولون الحبيق أن يؤخذ فى الصدقة (قال الزهرى) لونين من تمر المدينة، رواه أبو داود (والجعرور) بضم الجيم وسكون العين المهملة بوزن عصفور نوع ردئ من التمر لا خير فيه (ولون الحبيق) بضم الحاء المهملة وفتح الموحدة تمر صغير ردئ أغبر فيه طول منسوب الى ابن حبيق اسم رجل (ورواه أيضًا الحاكم والدارقطنى) بأتم من هذا عن سهل قال أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بصدقة فجاء رجل من هذا السُّخُّل بكبائس، قال سفيان يعنى الشيص، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من جاء بهذا؟ وكان لا يجئ أحد بشئ الا نسب الى الذى جاء به، فنزلت {ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون} قال ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجعرور ولون الحبيق أن يؤخذا فى الصدقة (قال الزهرى) لونين من تمر المدينة (والسُّخّل) بضم السين المهملة وتشديد الخاء المعجمة المفتوحة الشيص كما ذكره سفيان (والكبائس) جمع كباسة بكسر الكاف العذق وهو من التمر كالعنقود من العنب (الأحكام) دلت أحاديث الباب على أنه لا يجوز لرب المال أن يقصد الردئ من أمواله ويدفعه فى الزكاة، وأقوى دليل على ذلك قوله عز وجل {يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه، واعلموا أن الله غنى حميد} وتفسير ذلك أن الله عز وجل يأمر عباده المؤمنين بالنفاق، والمراد به ههنا الصدقة من طيبات ما رزقهم من الأموال التى اكتسبوها، قاله بن عباس؛ وقال مجاهد يعنى التجارة بتيسيره إياها لهم، وقال على والسدى {من طيبات ما كسبتم} يعنى الذهب والفضة ومن الثمار والزرع التى أنبتها لهم من الأرض (قال ابن عباس) رضى الله عنهما أمرهم بالأنفاق من أطيب المال وأجوده وأنفسه، ونهاهم عن التصدق برذالة المال ودنيئه وهو خبيثه، فان الله تعالى طيب لا يقبل الا طيبًا ولهذا قال {ولا تيمموا الخبيث} أى تقصدوا الخبيث {منه تنفقون ولستم بآخذيه} أى لو أعطيتموه ما أخذتموه إلا أن تتغاضوا فيه، فالله أغنى عنه منكم فلا تجعلوا لله ما تكرهون (وسبب نزول هذه الآية) على ما رواه ابن أبى حاتم بسنده عن البراء بن عازب رضى الله عنه قال نزلت فينا، كنا أصحاب نخل فكان الرجل يأتي من نخله بقدر كثرته وقلته فيأتى الرجل بالقنو فيعلقه فى المسجد وكان أهل الصفة ليس لهم طعام، فكان أحدهم إذا جاع جاء فضرب بعصاه فسقط منه البسر والتمر فيأكل، وكان أناس ممن لا يرغبون فى الخير يأتي بالقنو والحشف والشيص فيأتى بالقنو قد انكسر فيعلقه فنزلت {ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه} قال لو أن أحدكم أهدى له مثل ما أعطى ما أخذه إلا على إغماض وحياء، فكنا بعد ذلك يجئ الرجل منا بصالح ما عنده {واعلموا