كتاب الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني (اسم الجزء: 9)
-[مذاهب الأئمة فى حكم نقل الزكاة من بلدها- وهل تجزئ القيمة؟]-
.....
__________
وقد روى عن الأئمة (مالك والشافعى والثورى) أنه لا يجوز صرفها فى غير فقراء البلد (وقالت الحنفية) إنه لا يجوز مع كراهة لما علم بالضرورة أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يستدعى الصدقات من الأعراب الى المدينة ويصرفها فى فراء المهاجرين والأنصار كما أخرج النسائى من حديث (عبد الله بن هلال) الثقفى قال جاء رجل الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال كدت أن أقتل بعدك فى عناق أو شاة من الصدقة، فقال صلى الله عليه وسلم لولا أنها تعطى فقراء المهاجرين ما اخذتها (وقالت الحنابلة) يستحب تفرقتها فى بلدها ثم الأقرب فالأٌرب من القرى والبلدان فان نقلها إلى البعيد لقرابة أو لمن كان أشد حاجة جاز ما لم يبلغ مسافة القصر، فان بلغها فلا يجوز (قال ابن قدامة) فان استغنى عنها فقراء أهل بلدها جاز نقلها، نص عليه أحمد فقال قد تحمل الصدقة إلى الأمام إذا لم يكن فقراء، أو كان فيها فضل عن حاجتهم اهـ (وحديث طاوس) يدل على أن من انتقل من بلد الى بلد كان زكاة ماله لأهل البلد الذى انتقل منه مهما أمكن ايصال ذلك اليهم (وحديث معاذ) يدل على أن الزكاة تجب من العين ولا يعدل عنها إلى القيمة الا عند عدمها وعدم الجنس (وبذلك قالت الشافعية والحنابلة) والهادى والقاسم والأمام يحيى، واستدلوا أيضًا بما جاء فى حديث أنس فى باب ما جاء فى كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذى جمع فيه فرائض الصدقة رقم 25 صحيفة 212 من الجزء الثامن ((فمن بلغت عنده صدقة الجذعة وليس عنده جذعة وعنده حقة فانها تقبل منه ويجعل معها شاتين إن استيسرتا له أو عشرين درهمًا)) فان ذلك ونحوه يدل على أن الزكاة واجبة فى العين، ولو كانت القيمة هى الواجبة لكان ذكر ذلك عبثًا لأنها تختلف باختلاف الأزمنة والمكنة (وللمالكية) فى هذه المسألة أقوال، جواز القيمة مطلقًا؛ وعدم الجواز مطلقًا، وجواز إخراج الذهب والفضة عن الحرث والماشية فقط مع الكراهة، وعدم الجواز فيما عدا ذلك (وذهب أبو حنيفة) والمؤيد بالله والناصر والمنصور بالله وأبو العباس وزيد ابن على إلى جواز إخراج القيمة، واستدلوا بما أخرجه البيهقى وعلقه البخارى عن معاذ أنه قال لأهل اليمن ائتونى بعرضٍ ثيابٍ خميص أو لبيس فى الصدقة مكان الشعير والذرة أهون عليكم وخير لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، والخميص ثوب من خز له علمان، قالوا وهذا الخبر رواه البخارى معلقًا بصيغة الجزم الدالة على صحته عنده، والخميص واللبيس ليس إلا قيمة عن الأعيام التى تجب فيها الزكاة، لكن قال الشوكانى فيه انقطاع، قال وقال الاسماعيلى إنه مرسل فلا حجة فيه ولا سيما مع معارضته لحديثه المتفق عليه ((وهو أن النبى صلى الله عليه وسلم لما بعثه إلى اليمن قال خذها من أغنيائهم وضعها فى فقرائهم)) أو يحمل على أنه بعد كفاية من فى اليمن، وإلا فما كان معاذ ليخالف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالحق أن الزكاة واجبة من العين لا يعدل عنها الى القيمة إلا لعذر اهـ. والله أعلم