كتاب الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني (اسم الجزء: 9)
-[مذاهب العلماء في تعريف الفقير والمسكين - وبيان المقدار الذي يصير به الرجل غنيا]-
.....
__________
المستعف عن السؤال، وقد استدل به من يقول أن الفقير أسوأ حالاً من المسكين، وأن المسكين الذين له شيء لكنه لا يكفيه، والفقير الذي لا شيء له، ويؤيده قوله تعالى {أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر} فسماهم مساكين مع أن لهم سفينة يعملون فيها وإلى هذا ذهب (الشافعي والجمهور) كما قال الحافظ (وذهب أبو حنيفة والعترة) إلى أن المسكين دون الفقير، واستدلوا بقوله تعالى أو مسكينًا ذا متربة، قالوا لأن المراد أنه يلصق بالتراب للعري (وقال ابن القاسم) وأصحاب مالك إنهما سواء؛ وروي عن أبي يوسف ورجحه الجلال، قال لأن المسكنة لازمة للفقر، إذ معناها الذل والهوان، فإنه ربما كان يغني النفس أعز من الملوك الأكابر، بل معناها العجز عن إدراك المطالب الدنيوية والعاجز ساكن عن الانتهاض إلى مطالبة اهـ (قال الشوكاني) ومن جملة حجج القول الأول قوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم "اللهم أحيني مسكينًا مع تعوذه صلى الله عليه وسلم من الفقر" قال والذي ينبغي أن يعوّل عليه أن يقال المسكين من اجتمعت له الأوصاف المذكورة في الحديث، والفقير من كان ضد الغنى كما في الصحاح والقاموس وغيرهما من كتب اللغة، (وسيأتي تحقيق الغنى) فيقال لمن عدم الغنى فقير، ولمن عدمه مع التعفف عن السؤال وعدم تفطن الناس له مسكين، وقيل إن الفقير من يجد القوت. والمسكين من لا شيء له، وقيل الفقير المحتاج. والمسكين من أذلة الفقر. حكى هذين صاحب القاموس اهـ. والله أعلم (وفي أحاديث الباب أيضًا) دلالة على جواز المسألة "لذي دم موجع. أو غرم مفظع. أو فقر مدقع" (وقد اختلف المذاهب) في المقدار الذي يصير به الرجل غنيًا (فذهبت الهادوية والحنيفة) إلى أن الغنى من ملك النصاب زائدًا عن حاجته فيحرم عليه أخذ الزكاة، واحتجوا بما في حديث معاذ من قوله صلى الله عليه وسلم "تؤخذ من أغنيائهم وترد في فقرائهم" قالوا فوصف من تؤخذ منه الزكاة بالغني، وقد قال ولا تحل الصدقة لغني، وقال بعضهم هو من وجد ما يغديه ويعشيه، حكاه الخطابي، واستدل بما أخرجه الإمام أحمد وأبو داود وابن حبان وصححه (وسيأتي في أبواب النهي عن السؤال) عن سهل بن الحنظلية رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من سأل وعنده ما يغنيه فإنما يستكثر من النار، قالوا يا رسول الله وما يغنيه؟ قال قدر ما يغديه ويعشيه (وقال الثوري وابن المبارك وأحمد وإسحاق وجماعة) من أهل العلم هو من كان عنده خمسون درهمًا أو قيمتها، واستدلوا بحديث ابن مسعود عند الترمذي وغيره مرفوعًا "من يسأل الناس وله ما يغنيه جاء يوم القيامة ومسألته في وجهه خموش أو كدوش، قيل يا رسول الله وما يغنيه؟ قال خمسون درهمًا أو قيمتها من الذهب (وقال الشافعي وجماعة) إذا كان عنده خمسون درهمًا أو أكثر وهو محتاج فله أن يأخذ من الزكاة