كتاب الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني (اسم الجزء: 9)
-[مذاهب الأئمة في صفة العامل وحكم ما يأخذه من الزكاة]-
.....
__________
أن ما يأخذه العامل من الزكاة هو عن عمله (وقالت المالكية والشافعية) هو من الزكاة لا عن عمله (وذهب الجمهور) أيضًا إلى أنه لا يجوز أن يكون عامل الزكاة عبدًا. ولا من ذوي القربى ولا كافرًا، وخالف في ذلك الإمام أحمد فقال بالجواز. ووجهه أن العامل أجير فلا يشترط فيه الكمال بالحرية والإسلام، قال وإنما منع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولدعمه العباس أن يكون عاملاً وقال لم أكن لأستعملك على غسالة ذنوب الناس تشريفًا له على وجه البدل لا والوجوب. ووجه الجمهور أن العبد يكتفي بنفقة سيده عليه وذوي القربى أشراف فيمنعون من أن يكون أحدهم عاملاً تشريفًا لهم كما يمنعون من قبول الزكاة المفروضة، والكافر لا يصلح أن يكون له حكم على المسلمين، ولذلك أفتى العلماء بتحريم جعل الكافر جابيًا للمظالم أو للخراج أو كاتبًا أو حاسبًا والله أعلم (وفيها أيضًا) أن الخازن الأمين يشارك رب المال في أجر الصدقة إذا أعطى ما أمر به بدون تتحيز لأحد، ومعنى المشاركة أن له أجرًا كما أن لصاحبه أجرًا، وليس معناه أنه يزاحمه في أجره بل المراد المشاركة في الطاعة في أصل الثواب، فيكون لهذا ثواب ولهذا ثواب وإن كان أحدهما أكثر، ولا يلزم أن يكون مقدار ثوابهما سواء، بل قد يكون ثواب هذا أكثر، وقد يكون عكسه، فإذا أعطى المالك خازنه مائة درهم أو نحوها ليوصلها إلى مستحق للصدقة على باب داره، فأجر المالك أكثر، وإن أعطاه رمانة أو رغيفًا أو نحوهما حيث ليس له كثير قيمة ليذهب به إلى محتاج في مسافة بعيدة بحيث يقابل ذهاب الماشي إليه أكثر من الرمانة ونحوها، فأجر الخازن أكثر، وقد يكون الذهاب مقدار الرمانة فيكون الأجر سواء، قال ابن رسلان ويدخل في الخازن من يتخذه الرجل على عياله من وكيل وعبد وامرأته وغلام ومن يقوم على طعام الضيفان، أفاده الشوكاني (وفيها أيضًا) دلالة على جواز أكل العامل من الصدقة وإعطائه منها إذا لم يفرض له أجر معين، فإن فرض له أجر فلا يحل له زيادة على ما فرض له، وأن ما أخذه بعد ذلك فهو من الغلول، وذلك بناء على أنها إجارة ولكنها فاسدة يلزم فيها أجرة المثل، ولهذا ذهب البعض إلى أن الأجرة المفروضة من المستعمل للعامل تؤخذ على حسب العمل، فلا يأخذ زيادة على ما يستحقه، وقيل يأخذ ويكون من باب الصرف (وفيها أيضًا) أنه يجوز للعامل أن يأخذ حقه من تحت يده أي يقبض من نفسه لنفسه بدون زيادة عما يستحق، فإن زاد شيئًا فهو غلول، أي خيانة وسرقة، فيجب على من وكل إليه أمر للتصرف فيه أن يراقب مولاه وليعلم أنه إن خفي على الناس لا يخفى على الله "إن الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء" {يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور} (وفيها) أن العامل إذا أخذ الحق وأعطى الحق كان كالمجاهد في سبيل الله في الأجر، كما يستفاد من حديث رافع بن خديج، وظاهره سواء أكان متبرعًا أم بأجرة، فإن كان متبرعًا فثوابه أكثر وفضله أكبر