كتاب الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني (اسم الجزء: 9)
-[وعيد من سأل وعنده ما يغنيه]-
أن يكتب به (1) لهما ففعل وختمها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر بدفعه إليهما، فأما عيينة فقال ما فيه؟ قال فيه الذي أمرت به فقبله وعقده في عمامته وكان أحكم الرجلين (2)، وأما الأقرع فقال أحمل صحيفةً لا أدري ما فيها كصحيفة المتلمس (3) فأخبر معاوية رسول الله صلى الله عليه وسلم بقولهما، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في حاجةٍ فمر ببعيرٍ مناخٍ على باب المسجد من أول النهار، ثم مر به آخر النهار وهو على حاله، فقال أين صاحب هذا البعير؟ فابتغى (4) فلم يوجد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اتقوا الله في هذه البهائم (5) ثم اركبوها صحاحًا واركبوها سمانًا كالمتسخط أنفًا (6)، إنه من سأل وعنده ما يغنيه فإنما يستكثر من نار
__________
المؤلفة قلوبهم أسلم بعد الفتح وشهد حنينًا والطائف وارتد في عهد أبي بكر وبايع طليحة الأسدي ثم عاد إلى الإسلام، وصفه النبي صلى الله عليه وسلم بالأحمق المطاع (وأما الأقرع) فهو لقب واسمه فراس، وقدم في أشرف بني تميم على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد فتح مكة، وكان من المؤلفة قلوبهم وقد حسن إسلامه قتل باليرموك في عشرة من بيته (1) المعنى أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر كاتبه معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه أن يكتب لعامل جهتهما أن يعطيهما ما سألاه (2) أي أعقلهما لأنه لم يتهم النبي صلى الله عليه وسلم (3) هذا المثل وهو قوله "كصحيفة المتلمس" له حكاية مشهورة عند العرب، وذلك أن المتلمس كان شاعرًا في زمن الجاهلية هجا عمرو بن هند الملك فكتب له كتابًا إلى عامله أوهمه أنه أمر له فيه بعطية، وقد كتب يأمر بقتله فارتاب المتلمس ففكه وقرئ له؛ فلما علم ما فيه رماه ونجا فضربت العرب المثل بصحيفته بعد، وقد أعطاهما رسول الله صلى الله عليه وسلم من سهم المؤلفة قلوبهم لأنهما لم يكونا فقيرين بل كانا سيدي قومهما، وقيل إنه أعطى كل واحد مائة ناقة من غنائم حنين لا من الزكاة والله أعلم (4) أي أمر صلى الله عليه وسلم بالبحث عنه فلم يوجد (5) الظاهر أنه صلى الله عليه وسلم علم أن هذا البعير لم يأكل ولم يشرب من أول النهار إلى آخره لعدم وجود صاحبه فقال "اتقوا الله في هذه البهائم" أي في أكلها وشربها بأن تعطوها من العلف ما يجعلها صحيحة سمينة تصلح للركوب وحمل الأثقال والنحر ولا تعذبوها بإهمالكم علفها فإنكم مسئولون عنها (6) أي قال صلى الله عليه وسلم "اتقوا الله في هذه البهائم إلخ" وهو ساخط كاره لما رآه من إهمال البعير، يقال أنف من الشيء يأنف أنفًا إذا