كتاب الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني (اسم الجزء: 10)

-[الجمع بين قول عائشة كان صلى الله عليه وسلم يصوم شعبان إلا قليلاً وبين قولها كان يصومه كله]-
شهر قط أكثر صيامًا منه في شعبان (وعنها من طريق ثان بنحوه) وزادت كان يصوم شعبان كله إلا قليلاً، بل كان يصوم شعبان كله
__________
(1) المعنى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصوم في شعبان وفي غيره من الشهور سوى رمضان وكان صيامه في شعبان أكثر من صيامه فيما سواه، ووجه تخصيص شعبان بكثرة الصوم لكون أعمال العباد ترتفع فيه كما سيأتي في حديث أسامة بن زيد، قال "ذاك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم" وسيأتي شرحه في موضعه (2) (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا يزيد قال أنا محمد عن أبي سلمة؛ قال سألت عائشة كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم؟ قالت كان يصوم حتى نقول لا يفطر. ويفطر حتى نقول لا يصوم، ولم أره في شهر أكثر صيامًا منه في شعبان كان يصوم شعبان كله- الحديث (3) هذه الرواية وهي قولها "كان يصوم شعبان كله" وقولها في الحديث الآتي أيضًا "كان يصومه كله" يخالف ما تقدم من قولها "كان يصوم شعبان كله إلا قليلاًَ" ويخالف أيضًا قولها في الطريق الأولى "وما استكمل شهرًا قط إلا رمضان" ويجمع بين هذه الروايات بأن المراد بالكل والتمام الأكثر، وقد نقل الترمذي عن ابن المبارك أنه قال جائز في كلام العرب إذا صام أكثر الشهر أن يقال صام الشهر كله، ويقال قام فلان ليلته أجمع ولعله قد تعشى واشتغل ببعض أمره، قال الترمذي كان ابن المبارك جمع بين الحديثين بذلك اهـ وحاصله أن رواية الكل والتمام مفسرة برواية الأكثر ومخصصة بها وأن المراد بالكل الأكثر (قال الحافظ) وهو مجاز قليل الاستعمال واستبعده الطيبي، قال لأن الكل تأكيد لإرادة الشمول ودفع التجوز فتفسيره بالبعض مناف له، قال فيحمل على أنه كان يصوم شعبان كله تارة ويصوم معظمه أخرى لئلا يتوهم أنه واجب كله كرمضان (وقيل) المراد بقولها كله أنه كان يصوم من أوله تارة ومن آخره أخرى ومن أثنائه طورًا فلا يخلى شيئًا منه من صيام ولا يخص بعضه بصيام دون بعض (وقال الزين بن المنير) إما أن يحمل قول عائشة على المبالغة: والمراد الأكثر، وإما إن يجمع بأن قولها الثاني متأخر عن قولها الأول فأخبرت عن أول أمره أنه كان يصوم أكثر شعبان وأخبرت ثانيًا عن آخر أمره أنه كان يصومه كله اهـ قال الحافظ. ولا يخفى تكلفه والأول هو الصواب ويؤيده رواية عبد الله بن شقيق عن عائشة عند مسلم وسعد بن هشام عنها عند النسائي ولفظه "ولا صام شهرًا كاملاً قط منذ قدم المدينة غير رمضان اهـ (قلت) وتقدم مثله للإمام أحمد عن ابن عباس في الباب السابق (تخريجه) (ق. وغيرهما)

الصفحة 199