كتاب الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني (اسم الجزء: 10)
-[مذاهب العلماء في التفضيل بين صيام يوم وإفطار يوم- وبين صيام الدهر]-
.....
__________
لكن ذهب جماعة من العلماء إلى أن صوم الدهر أفضل لأنه أكثر عملاً فيكون أكثر أجراً وما كان أكثر أجراً كان أكثر ثواباً (قال الحافظ) وبذلك جزم الغزالي أولاً وقيده بشرط أن لا يصوم الأيام المنهي عنها وأن لا يرغب عن السنة بأن يجعل الصوم حجراً على نفسه فاذا أمن من ذلك فالصوم من أفضل الأعمال فالاستكثار منه زيادة في الفضل, (وتعقبه ابن دقيق العيد) بأن الأعمال متعارضة المصالح والمفاسد, ومقدار كل منهما في الحث والمنع غير متحقق, فزيادة الأجر بزيادة العمل في شيء, يعارضه اقتضاء العادة التقصير في حقوق أخرى يعارضها العمل المذكور, ومقدار الفائت من ذلك مع مقدار الحاصل غير متحقق. فالأولى التفويض إلى حكم الشارع ولما دل عليه ظاهر قوله" إنه أحب الصيام إلى الله تعالى (قلت وهذا هو الذي أميل إليه) (وذهب جماعة) منهم المتولي, من الشافعية إلى أن صيام داود أفضل, وهو ظاهر الحديث بل صريحه, ويترجح من حيث المعني أيضاً بأن صيام الدهر قد يفوت بعض الحقوق كما تقدم, وبأن من اعتاده فانه لا يكاد يشق عليه, بل تضعف شهوته عن الأكل وتقل حاجته إلى الطعام والشراب نهاراً, ويألف تناوله في الليل بحيث يتجدد له طبع زائد, بخلاف من يصوم يوماً ويفطر يوماً فانه ينتقل من فطر إلى صوم ومن صوم إلى فطر. وقد تقل الترمذي عن بعض أهل العلم أنه أشق الصيام ويأمن مع ذلك غالباً من تفويت الحقوق كما تقدمت الإشارة إليه. نعم إن فرض أن شخصاً لا يفوته شيء من الأعمال الصالحة بالصيام أصلاً ولا يفوت حقاً من الحقوق التي خوطب بها لم يبعد أن يكون في حقه أرجح (والى ذلك أشار ابن خزيمة) فترجم. (الدليل على أن صيام داود إنما كان أعدل الصيام. وأحبه إلى الله لأن فاعله يؤدي حق نفسه ولا يفوت حقاً أن يكون أرجح. وعلى هذا فيختلف ذلك باختلاف الأشخاص والأحوال. فمن يقتضي حاله الإكثار من الصوم أكثر منه. ومن يقتضي حاله الإكثار من الإفطار أكثر منه. ومن يقتضي حاله المزج فعله, حي إن الشخص الواحد قد تختلف عليه الأحوال في ذلك. وإلى ذلك أشار الغزالي أخيراً والله اعلم بالصواب (ويستفاد من أحاديث الباب أيضاً) ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم من الرفق بأمته وشفقته عليهم وإرشاده إياهم إلى ما يصلحهم وحثه إياهم على ما يطيقون الدوام عليه ونهيهم عن التعمق في العبادة لما يخشى من أفضائه إلى الملل المفضي إلى الترك أو ترك البعض. وقد ذم الله تعالى قوما لازموا العبادة ثم فرطوا فيها (وفيها أيضاً) الندب إلى الدوام على ما وظفه الإنسان على نفسه من العبادة (وفيها أيضاً) الإشارة إلى الاقتداء بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام في أنواع العبادات (وفيها غير ذلك) والله أعلم