كتاب الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني (اسم الجزء: 10)

-[مذاهب العلماء في صوم يوم عرفة - والجمع بين أحاديث النهي عنه وبين أحاديث الحث عليه]-
.....
__________
يوم عرفة والترغيب فيه وأن صيامه يعدل صيام سنتين سنة ماضية وسنة مستقبلة (ومنها) ما يدل على كراهة صومه والنهي عن ذلك، وقد جمع العلماء بين هذه الأحاديث بأن صوم هذا اليوم مستحب لكل أحد مكروه لمن كان بعرفات حاجا، وبه قال جمهور العلماء (قال الحافظ ابن القيم في الهدى) وكان من هدية صلى الله عليه وسلم إفطار يوم عرفة بعرفة، ثبت عنه ذلك في الصحيحين، وروى عنه أنه نهي عن صوم يوم عرفة بعرفة، رواه عنه أهل السنن، وصح عنه أن صيامه يكفر السنة الماضية والباقية، ذكره مسلم، وقد ذكر لفطره بعرفة عدة حكم (منها) أنه أقوى على الدعاء (ومنها) أن الفطر في السفر أفضل في فرض الصوم فكيف بنقله (ومنها) أن ذلك اليوم كان يوم الجمعة وقد نهي عن إفراده بالصوم فأحب أن يرى الناس فطره فيه تأكيدا لنهيه عن تخصيصه بالصوم وإن كان صومه لكونه يوم عرفة لا يوم جمعة، قال وكان شيخنا رضي الله عنه (يعني ابن تيمية) يسلك مسلكًا آخر، وهو أنه يوم عيد لأهل عرفة لاجتماعهم فيه كاجتماع الناس يوم العيد، وهذا الاجتماع يختص بمن بعرفة دون أهل الآفاق، قال وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذا في الحديث الذي رواه أهل السنن يوم عرفة ويوم النحر وأيام منى عيدنا أهل الأسلام، ومعلوم أن كونه عيدا هو لأهل ذلك المجمع لاجتماعهم فيه والله أعلم اهـ (وقال الحافظ المنذري) اختلفوا في صوم يوم عرفة بعرفة، فقال ابن عمر لم يصمه النبي صلى الله عليه وسلم ولا أبو بكر. ولا عمر. ولا عثمان. وأنا لا أصومه (وكان مالك والنوري) يختاران الفطر (وكان ابن الزبير وعائشة) يصومان يوم عرفة، وروى ذلك عن عثمان بن أبي العاص (وكان إسحاق) يميل إلى الصوم (وكان عطاء) يقول أصوم في الشتاء ولا أصوم في الصيف (وقال قتادة) لا بأس به إذا لم يضعف عن الدعاء (وقال الشافعي) يستحب صوم عرفة لغير الحاج فأما الحاج فأحب أن أفطر فذلك يوم يحتاج فيه إلى القوه اهـ (وذهب جماعة) إلى أنه يستحب فيه الصوم وإن كان حاجا إلا من يضعفه الصوم عن الوقوف بعرفات ويكون مخلا له في الدعوات، واحتجوا بحديث أبي قتادة الثاني من أحاديث الباب وأجابوا عن حديث عقبة بن عامر (يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق عيدنا أهل الأسلام وهي أيام آكل وشرب) بأنه ليس فيه نهي صريح عن صوم يوم عرفة (وفيه نظر) وحكي الحافظ في الفتح على الجمهور أنه يستحب إفطاره (يعني لمن بعرفة) حتى قال عطاء من أفطره ليتقوى به على الذكر كل له مثل اجر الصائم اهـ (قلت) وممن ذهب الى استحباب الفطر لمن بعرفة من الأئمة (أبو حنيفة ومالك والشافعي والنوري) والجمهور وهو قول أبي بكر وعمر وابن عمر رضي الله عنهم، وهو عندي أعدل المذاهب والله أعلم

الصفحة 241