كتاب الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني (اسم الجزء: 10)

-[مذاهب الأئمة في حكم الاعتكاف إذا فات من اعتاده لمانع بعد الشروع فيه]-
.....
__________
النية (وفيه أيضًا) أن المسجد شرط للاعتكاف لأن النساء شرع لهن الاحتجاب في البيوت فلو لم يكن المسجد شرطًا ما وقع الأذن لهن والمنع كما في بعض الروايات (وستأتي في باب اعتكاف النساء) بل كان اكتفي لهن بالاعتكاف في مساجد بيوتهن. وقال ابراهيم بن علية في قوله "آلبر تردن" دلالة على أنه ليس لهن الاعتكاف في المسجد إذ مفهومه أنه ليس ببر لهن (قال الحافظ) وما قاله ليس بواضح، وفيه شؤم الغيرة أنها ناشئة عن الحسد فتفضي إلى ترك الأفضل لأجله (وفيه) ترك الأفضل إذا كان فيه مصلحة وأن من خشى على عمله الرياء جاز له تركه وقطعه (وفيه) أن الاعتكاف لا يجب بالنية، وأما قضاؤه صلى الله عليه وسلم له فعلى طريق الاستحباب لأنه كان إذا عمل عملًا أتيته، ولهذا لم ينقل أن نساءه اعتكفن معه في شوال أفاده الحافظ (وفي حديثي أبي وأنس المذكورين في الباب) دلالة على أن من اعتاد الاعتكاف أيامًا ثم لم يمكنه أداؤه فيها لسفر أو مرض أو نحو ذلك فله قضاؤه استحبابًا (قال الترمذي) رحمه الله واختلف أهل العلم في المعتكف إذا قطع اعتكافه قبل أن يتمه على ما نوى، فقال بعضش أهل العلم. إذا نقص اعتكافه وجب عليه القضاء، واحتجوا بالحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من اعتكافه فاعتكف عشرًا من شوال (وهو قول مالك) وقال بعضهم إن لم يكن عليه نذر اعتكاف أو شيء أوجبه على نفسه وكان
متطوعًا فخرج فليس عليه شيء يقضي إلا أن يجب ذلك اختيارًا منه ولا يجب عليه (وهو قول الشافعي) قال الشافعي كل عمل لك أن لا تدخل فيه، فإذا دخلت فيه فخرجت منه فليس عليك أن تقضشي إلا الحج والعمرة اهـ (قلت) استثنى الإمام الشافعي رحمه الله الحج والعمرة من الأعمال إذا كانا نقلًا لما يلزم لهما من المشقة والمال، ولم يذكر الترمذي رحمه الله ما ذهب إليه الحنفية والحنابلة (أما الحنفية) فقد ذهبوا إلى ما ذهب إليه مالك واحتجوا أيضًا بما في حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من اعتكافه واعتكف عشرًا من شوال (وأما الحنابلة) فقد ذهبوا إلى ما ذهب إليه الشافعي، وأجابوا عن الحديث بأنه حجة على المخالفين لأن النبي صلى الله عليه وسلم ترك اعتكافه، ولو كان واجبًا لما تركه، وأزواجه تركن الاعتكاف بعد نيته وضرب ابنيتهن له ولم يوجد عذر يمنع فعل الواجب ولا أمرن بالقضاء، وقضاء النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن واجبًا عليه، وإنما فعله تطوعًا لأنه كان إذا عمل عملًا أثبته، وكان فعله لقضائه كفعله لأدائه على سبيل التطوع به لا على سبيل الإيجاب كما قضى السنة التي فاتته بعد الظهر وقبل الفجر، فتركه له دليل على عدم الوجوب لتحريم ترك الواجب، وفعله للقضاء لا يدل على الوجوب لأن قضشاء السنن مشروع؛ ولا يصح قياسه على الحج والعمرة لأن الوصول إليهما لا يحصل في الغالب إلا بعد كلفة عظمى ومشقة شديدة وانفاق مال كثير، ففي إبطالهما

الصفحة 250