كتاب الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني (اسم الجزء: 10)

.
__________
فإن بلالا كان في أول ما شرع الأذان يؤذن وحده ولا يؤذن للصبح حتى يطلع الفجر، وعلى ذلك تحمل رواية عروة عن امرأة من بني النجار قالت كان بلال يجلس على بيتي وهو أعلى بيت في المدينة فإذا رأى الفجر تمطى ثم أذن أخرجه أبو داود وإسناده حسن، ورواية حميد عن أنس أن سائلاً سأل عن وقت الصلاة فأمر صلى الله عليه وسلم بلالا فأذن حين طلع الفجر الحديث أخرجه النسائي وإسناده صحيح، ثم أردف بابن أم مكتوم فكان يؤذن بليل، واستمر بلال على حالته الأولى، وعلى ذلك تنزل رواية أنيسة وغيرها، ثم في آخر الأمر أخر ابن أم مكتوم لضعفه ووكل به من يراعي له الفجر واستقر أذان بلال، وكان سبب ذلك ما روى أنه كان ربما أخطأ الفجر فأذن قبل طلوعه وأنه أخطأه مرة فأمره صلى الله عليه وسلم أن يرجع فيقول ألا إن العبد نام، يعني أن غلبة النوم على عينيه منعته من تبيين الفجر، وهو حديث أخرجه أبو داود وغيره من طريق حماد بن سلمة عن أيوب عن نافع عن ابن عمر موصولاً مرفوعاً ورواته ثقات حفاظ، لكن اتفق أئمة الحديث على بن المديني وأحمد والبخاري والذهبي وابو حاتم وأبو داود والترمذي والأثرم والدارقطني على أن حماداً أخطأ في رفعه وأن الصواب وقفه على عمر بن الخطاب وأنه هو الذي وقع له ذلك مع مؤذنه وأن حماداً انفرد برفعه. ومع ذلك فقد وجد له متابع أخرجه البيهقي من طريق سعيد بن زربى، وهو بفتح الزاي وسكون الراء بعدها موحدة ثم ياء كياء النسبة فرواه عن ايوب موصولاً، لكن سعيد ضعيف، ورواه عبد الرزاق عن معمر عن أيوب أيضاً لكنه أعضله فلم يذكر نافعا ولا ابن عمر، وله طريق أخرى عن نافع عن الدارقطني وغيره اختلف في رفعها ووقفها أيضاً، وأخرى مرسلة من طريق يونس بن عبيد وغيره عن حيد بن هلال، وأخرى من طريق سعيد عن قتادة مرسلة، ووصلها أبو يوسف عن سعيد بذكر أنس، فهذه طرق يقوى بعضها ببعض قوة ظاهرة، فلهذا والله أعلم استقر بلال يؤذن الاذان الأول اهـ (قال النووي) رحمه الله ولا شك في طلوع الفجر جاز له الأكل والشرب والجماع وغيرها بلا خلاف حتى يتحقق الفجر للآية الكريمة (حتى يتبين لكم الخيط الأبيض) ولما صح عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال (كل ما شككت حتى يتبين لك) رواه البيهقي بإسناد صحيح) (وفي رواية) عن حبيب بن أبي ثابت قال ارسل ابن عباس رجلين ينظران الفجر فقال أحدهما أصبحت وقال الآخر لا، قال اختلفتما؟ أرني شرابي، ثال البيهقي وروى هذا عن ابي بكر الصديق وعمر وابن عمر رضي الله عنهم. وقول ابن عباس (أرني شرابي) جار على القاعدة انه يحل الشرب والأكل حتى يتبين الفجر، ولو كان قد تبين لما اختلف الرجلان فيه، لأن خبريهما تعارضا، والأصل بقاء الليل، ولأن قوله أصبحت

الصفحة 32