كتاب الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني (اسم الجزء: 10)

.
__________
رخص النبي صلى الله عليه وسلم بعد في الحجامة للصائم، وكان أنس يحتجم وهو صائم، رواه الدارقطني وقال رواته كلهم ثقات، قال ولا أعلم له علة، قال البيهقي وروينا في الرخصة في ذلك عن سعد ابن أبي وقاص وابن مسعود وابن عباس وابن عمر والحسين بن علي وزيد بن ارقم وعائشة وام سلمة رضي الله عنهم (قال النووي رحمه الله) وأما حديث (أفطر الحاجم والمحجوم) فأجاب أصحابنا عنه بأجوبة (أحدها) جواب الشافعي ذكره في الأم وفيه اختلاف وتابعه عليه الخطابي والبيهقي وسائر أصحابنا، وهو أنه منسوخ بحديث ابن عباس وغيره مما ذكرنا، ودليل النسخ أن الشافعي والبيهقي روياه بإسنادهما الصحيح عن شداد بن أوس، قال كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم زمان الفتح فرأى رجلاً يحتجم لثماني عشرة خلت من رمضان فقال، وهو آخذ بيدي أفطر الحاجم والمحجوم، وقد ثبت في صحيح البخاري من حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو محوم صائم. وابن عباس إنما صحب النبي صلى الله عليه وسلم محرما في حجة الوداع سنة عشر من الهجرة ولم يصحبه محرما قبل ذلك وكان الفتح سنة ثمان بلا شك، فحديث ابن عباس بعد حديث شداد بسنتين وزيادة، قال فحديث ابن عباس ناسخ (قال البيهقي) ويدل على النسخ أيضاً قوله في حديث أنس السابق في قصة جعفر ثم رخص النبي صلى الله عليه وسلم بعد في الحجامة وهو حديث صحيح كما سبق. قال وحديث أبي سعيد الخدري السابق أيضاً فيه لفظ الترخيص وغالب ما يستعمل الترخيص بعد النهي (الجواب الثاني) أجاب به الشافعي أيضاً أن حديث ابن عباس أصح ويعضده أيضاً القياس فوجب تقديمه (الجواب الثالث) جواب الشافعي أيضاً والخطابي وأصحابنا أن المراد بأفطر الحاجم والمحجوم أنهما كانا يغتابان في صومهما وروى البيهقي ذلك في بعض طرق حديث ثوبان (قال الشافعي) وعلى هذا التأويل يكون المراد بإفطارهما أنه ذهب أجرهما كما قال بعض الصحابة لمن تكلم في حال الخطبة لا جمعة لك، أي ليس لك أجرها وإلا فهي صحيحة مجزئة عنه (الجواب الرابع) ذكره الخطابي أن معناه تعرضا للفطر (أما المحجوم) فلضعفه بخروج الدم فربما لحقته مشقة فعجز عن الصوم فأفطر بسببها (وأما الحاجم) فقد يصل جوفه شيء من الدم أو غيره إذا ضم شفتيه على قصب الملازم كما يقال للمتعرض للهلاك هلك فلان وإن كان باقياً سالماً وكقوله صلى الله عليه وسلم (من جعل قاضياً فقد ذبح بغير سكين) أي تعرض للذبح بغير سكين (الخامس) ذكره الخطابي أيضاً أنه مر بهما قريب المغرب فقال أفطرا أي حان فطرهما كما يقال أمسى الرجل إذا دخل في وقت المساء أو قاربه (السادس) أنه تغليظ ودعاء عليهما لارتكابهما ما يعرضهما لفساد صومهما (واعلم) أن ابا بكر بن خزيمة اعترض على الاستدلال بحديث ابن عباس فروى عنه الحاكم أبو عبد الله في المستدرك أنه قال ثبتت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال أفطر الحاجم والمحجوم فقال بعض من خالفنا في هذه

الصفحة 40