كتاب الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني (اسم الجزء: 10)

(145) عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الوصال في الصيام؛ فقيل له انك تفعله, فقال انى لست كأحدكم, انى أظل (1) يطعمني
__________
(145) عن ابن عمر (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبي ثنا وكيع عن العمرى عن نافع عن ابن عمر -الحديث" (غريبه) (1) قال اهل اللغة يقال ظل يفعل كذا اذا عمله في النهار دون الليل وبات, يفعل كذا اذا عمله في الليل. ومنه قول عنترة * ولقد ابيت على الطوى وأظله* اى اظل عليه, وقد جاء في رواية للإمام أحمد وابن ابى شيبة من طريق الأعمش عن ابى صالح عن ابى هريرة "اني أظل عند ربي فيطعمني ويسقيني" قال الحافظ وهو محمول على مطلق الكون لا على حقيقة اللفظ، لأن المتحدث عنه هو الإمساك ليلاً لا نهاراً، وأكثر الروايات إنما هي، أبيت وكأن بعض الرواة عبر عنها بأظل نظراً إلى اشتراكهما في مطلق الكون، يقولون كثيراً أضحى فلان كذا مثلاً، ولا يريدون تخصيص ذلك بوقت الضح، ومنه قوله تعالى (وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسوداً) فإن المراد به مطلق الوقت ولا اختصاص لذلك نهار دون ليل اهـ وآثر اسم الرب دون اسم الذات، فلم يقل يطعمني الله، لأن التجلي باسم الربوبية اقرب إلى العباد من الألوهية لأنها تجلي عظمة لا طاقة للبشر بها، وعلى ربوبية تججلي رحمة وشفقة وهي أليق بهذا المقام (وفي رواية أظل) دلالة لما ذهب إليه الجمهور من تأويل قوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة السابق (إني أبي يطعمني ربي ويسقيني) بأنه على سبيل المجاز لا الحقيقة، لأن ظل لا يكون إلا في النهار، ولا يجوز أن يكون أطكلاً حقيقياً في النهار، وأن المراد به القوة لأنه لو كان على الحقيقة لم يكن مواصلاً ومر جوابه (وقيل كان يؤتى بطعام وشراب في النوم فيستيقظ وهو يجد الري والشبع) (قال النووي) في شرح المهذب معناه (محبة الله تشغلني عن الطعام والشراب، والحب البالغ يشغل عنهما، وجنح اليه ابن القيم فقال. يحتمل أن المراد أنه يشغله بالتفكر في عظمته والتجلي بمشاهدته والتغذي بمعارفه وقرة العين بمحبته والاستغراق في مناتجاته والإقبال عليه وتوابع ذلك من الأحوال التي هي غذاء القلوب ونسيم الأرواح وقرة العين وبهجة النفوس عن الطعام والشراب، فللقلب بها والروح أعظم غذا وأنفعه. وقد يكون هذا أعظم غذاء الأجسام، ومن له أدنى شوق وتجربة يعلم استغناء الجسم بغذاء القلب والروح عن كثير من الغذاء الجسماني، ولا سيما الفرحان الظافر بمطلوبه الذي قرت عينه بمحبوبه كما قيل:
لها أحاديث من ذكراك تشغلها ... عن الشراب وتلهيها عن الزاد

الصفحة 81