كتاب الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني (اسم الجزء: 11)

-[سبب مشروعية السعى بين الصفا والمروة وحكم الركوب فيه]-
قلت ويزعم قومك أنَّه طاف بين الصَّفا والمروة على بعير وأنَّ ذلك سنَّة، فقال صدقوا وكذبوا فقلت وما صدقوا وكذبوا؟ فقال صدقوا قد طاف بين الصَّفا والمروة على بعير، وكذبوا ليست بسنَّةٍ، كان الناس لا يدفعون عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ولا يصرفون عنه، فطاف على بعير ليسمعوا كلامه ولا تناله أيديهم، قلت ويزعم قومك أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم سعى بين الصَّفا والمروة وأنَّ ذلك سنَّةٌ، قال صدقوا إنَّ إبراهيم لمَّا أمر بالمناسك عرض له
__________
قيقعان، فبلغه أنهم يتحدثون أن بهم هزالا فأمر بهم أن يرملوا ليريهم أن بهم قوة، وكان ذلك فى عمرة القضاء، وجاء أصرح من هذا فى رواية أخرى لمسلم والأمام أحمد وستأتى فى باب طواف القدوم والرمل الخ. عن ابن عباس رضى الله عنهما قال قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وقد وهنتهم حمى يثرب، قال فقال المشركون إنه يقدم عليكم قوم قد وهنتهم الحمى، قال فأطلع الله النبى صلى الله عليه وسلم على ذلك فأمر أصحابه أن يرملوا وقعد المشركون ناحية الحجر ينظرون اليهم، فرملوا ومشوا ما بين الركنين، قال فقال المشركون هؤلاء الذين تزعمون أن الحمى وهنتهم، هؤلاء أقوى من كذا وكذا ذكروا قولهم، قال ابن عباس فلم يمنعه أن يأمرهم أن يرملوا الأشواط كلها إلا إبقاء عليهم (1) أى صدقوا فى أنه صلى الله عليه وسلم طاف راكبا، وكذبوا فى أن الركوب أفضل. بل المشى أفضل، وإنما ركب صلى الله عليه وسلم لشدة ازدحام الناس عليه وسؤالهم إياه عن أحكام المناسك، وكان من خلقه صلى الله عليه وسلم أن لا يدفع قاصده ولا يضرب الناس بين يديه كما يفعل الملوك والعظماء، فدفعا لما يحصل من ضرر الزحام ركب صلى الله عليه وسلم، وهذا معنى قوله كان الناس لا يدفعون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بضم الياء التحتية مبنى للمجهول وكذا قوله ولا يصرفون، وفى لفظ لمسلم "قال ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كثر عليه الناس يقولون هذا محمد هذا محمد حتى خرج العواتق من البيوت، قال وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يضرب الناس بين يديه، فلما كثر عليه ركب والمشى والسعى أفضل" (2) أى ما يلقيه عليهم من المواعظ وتعليم الأحكام (ولا تناله أيديهم) أى لأن كل سائل يريد أن يلفته اليه بمدّ يده عليه، وفى هذا إيذاء له صلى الله عليه وسلم، فمن أجل ذلك ركب والله أعلم (قال النووى) وهذا الذى قاله ابن عباس مجمع عليه، أجمعوا على أن الركوب فى السعى بين الصفا والمروة جائز وأن المشى أفضل منه إلا لعذر (3) أقرّ ابن عباس رضى الله عنهما هذا السؤال ولم

الصفحة 101