كتاب الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني (اسم الجزء: 11)

-[حجج القائلين بوجوب الحج على التراخى - وعدد من حج مع النبى صلى الله عليه وسلم]-
__
__________
(قال النووي) واحتج الشافعى والأصحاب بأن فريضة الحج نزلت بعد الهجرة وفتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة فى رمضان سنة ثمان. وانصرف عنها فى شوال من سنته. واستخلف عتاب بن أسيد فأقام للناس الحج سنة ثمان بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم مقيما بالمدينة هو وأزواجه وعامة أصحابه، ثم غزا غزوة تبوك فى سنة تسع وانصرف عنها قبل الحج فبعث أبا بكر رضى الله عنه فأقام للناس الحج سنة تسع ورسول الله صلى الله عليه وسلم هو وأزواجه وعامة أصحابه قادرون على الحج غير مشتغلين بقتال ولا غيره، ثم حج النبى صلى الله عليه وسلم بأزواجه وأصحابه كلهم سنة عشر، فدل على جواز تأخيره، هذا دليل الشافعى وجمهور الأصحاب (قال البيهقى) وهذا الذى ذكره الشافعى مأخوذ من الأخبار "قال "فأما نزول فرض الحج بعد الهجرة فكما قال، واستدل أصحابنا له بحديث كعب بن عجرة قال وقف علىّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحديبية ورأسى يتهافت قملا، فقال يؤذيك هو امُّك؟ قلت نعم يا رسول الله، فقال قد أذاك هو امُّ رأسك؟ قلت نعم، قال فاحلق رأسك، قال ففىَّ نزلت هذه الآية {فمن كان منكم مريضًا أو به أذى من رأسه ففدية الخ} رواه البخارى ومسلم (قال أصحابنا) فثبت بهذا الحديث أن قوله تعالى {وأتموا الحج والعمرة لله فأن أحصرتم فما استيسر من الهدى ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدى محله فمن كان منكم مريضًا أو به أذى من رأسه الخ} نزلت سنة ست من الهجرة، وهذه الآية دالة على وجوب الحج، ونزل بعدها قوله تعالى {وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة} وقد أجمع المسلمون على أن الحديبية كانت سنة ست من الهجرة فى ذى القعدة، وثبت بالأحاديث الصحيحة واتفاق العلماء أن النبى صلى الله عليه وسلم غزا حنينا بعد فتح مكة وقسم غنائمها واعتمر من سنته فى ذى القعده، وكان احرامه بالعمرة من الجعرَّانة، ولم يكن بقى بينه وبين الحج إلا أيامًا يسيرة، فلو كان على الفور لم يرجع من مكة حتى يحج مع أنه هو وأصحابه كانوا حينئذ موسرين، فقد غنموا الغنائم الكثيرة ولا عذر لهم ولا قتال ولا شغل آخر، وإنما أخره صلى الله عليه وسلم عن سنة ثمان بيانا لجواز التأخير وليتكامل الأسلام والمسلمون فيحج بهم حجة الوداع ويحضرها الخلق فيبلّغوا عنه المناسك، ولهذا قال فى حجة الوداع "ليبلّغ الشاهد منكم الغائب ولتأخذوا عنى مناسككم" ونزل فيه قوله تعالى {اليوم أكملت لكم دينكم} قال أبو زرعة الرازى فيما روينا عنه حضر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة الوداع مائة ألف وأربعة عشر ألفا كلهم رآه وسمع منه، فهذا قول الأمام أبي زرعة الذى لم يحفظ أحد من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم كحفظه ولا ما يقاربه (قال النووى) واحتج أصحابنا أيضًا بحديث أنس فذكره وهو حديث ضمام بن ثعلبة وتقدم بطوله رقم 10 صحيفة 66 فى باب من وفد على النبى صلى الله عليه وسلم من كتاب الأيمان في الجزء

الصفحة 20