كتاب الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني (اسم الجزء: 11)

-[حجج القائلين بوجوب الحج على التراخى وردُّ حجج المخالفين]-
__
__________
الأول وفيه "وزعم رسولك أن علينا حج البيت من استطاع اليه سبيلا- قال صدق" (قال النووى) رواه مسلم فى صحيحه فى أول كتاب الأيمان، وروى البخارى أصله، وفى رواية البخارى أن هذا الرجل ضمام بن ثعلبة (قلت وكذلك فى رواية الأمام أحمد) قال وقدوم ضمام بن ثعلبة على النبى صلى الله عليه وسلم كان سنة خمس من الهجرة، قاله محمد بن حبيب وآخرون، وقال غيره سنة سبع. وقال أبو عبيد سنة تسع، وقد صرح فى هذا الحديث بوجوب الحج (قال واحتج أصحابنا) أيضا بالأحاديث الصحيحة المستفيضة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر فى حجة الوداع من لم يكن معه هدى أن يفسخ الأحرام بالحج ويجعله عمرة وهذا صريح فى جواز تأخير الحج مع التمكن (واحتج أصحابنا أيضا) بأنه إذا أخره من سنة الى سنة أو أكثر وفعله يسمى مؤديا للحج لا قاضيا بأجماع المسلمين؛ هكذا نقل الأجماع فيه القاضى أبو الطيب وغيره، ونقل الاتفاق عليه أيضا القاضى حسين وآخرون، ولو حرم التأخير لكان قضاء لا أداء (قال) وأما الجواب عن احتجاج الحنفية بالآية الكريمة وأن الأمر يقتضى الفور فمن وجهين (أحدهما) أن أكثر أصحابنا قالوا إن الأمر المطلق المجرد عن القرائن لا يقتضى الفور بل هو على التراخى، وهذا الذى ذكرته من أن أكثر أصحابنا عليه هو المعروف فى كتبهم فى الأصول، ونقله القاضى أبو الطيب فى تعليقه فى هذه المسألة عن أكثر أصحابنا (والثانى) أنه يقتضى الفور وهنا قرينة، ودليل يصرفه إلى التراخى وهو ما قدمناه من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأكثر أصحابه (وأما الحديث) "من أراد الحج فليتعجل" فجوابه من أوجه (أحدها) أنه ضعيف (قلت) هذا بالنسبة لرواية أبى داود لأن فى سندها مهران أبا صفوان وفيه مقال، لكن رواه الأمام أحمد من غير هذا الطريق بسند جيد (قال) (والثانى) أنه حجة لنا، لأنه فوض فعله إلى ارادته واختياره، ولو كان على الفور لم يفوض تعجيله الى اختياره (والثالث) أنه ندب جمعا بين الروايتين (قلت وهذا أوجه الأجوبة) قال وأما الجواب عن حديث فليمت إن شاء يهوديا، فمن أوجه * (أحدها) * أنه ضعيف * (والثانى) * أن الذم لمن أخره إلى الموت ونحن نوافق على تحريم تأخيره إلى الموت، والذى نقول بجوازه هو التأخير بحيث يفعل قبل الموت * (الثالث) * أنه محمول على من تركه معتقدًا عدم وجوبه مع الاستطاعة، فهذا كافر، ويؤيد هذا التأويل أنه قال فليمت ان شاء يهوديا أو نصرانيا؛ وظاهره أنه يموت كافرا ولا يكون ذلك إلا إذا اعتقد عدم وجوبه مع الاستدامة، وإلا فقد أجمعت الأمة على أن من تمكن من الحج فلم يحج ومات لا يحكم بكفره بل هو عاص. فوجب تأويل الحديث لو صح والله أعلم اهـ ج * (قلت) * الظاهر ما ذهب اليه الشافعية ومن وافقهم لقوة أدلتهم

الصفحة 21