كتاب الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني (اسم الجزء: 11)

-[الجمع بين حديث منع النساء من الحج بعد الفريضة - وبين حديث عائشة المبيح لذلك]-
__
__________
وهذا لا ينافي أن الأحوط والأفضل التعجيل للمستطيع بقدر الأمكان، لأن الأجل غير معلوم (وقد استدل بحديثى أبى هريرة وأبى واقد) المذكورين فى الباب على عدم جواز الحج لأزواج النبى صلى الله عليه وسلم بعد حجة الوداع لقوله صلى الله عليه وسلم لهن إذ ذاك "هذه ثم لزوم الحصر" أى عليكن لزوم البيت ولا يجب عليكن الحج مرة أخرى بعد هذه الحجة، ففهم بعض الصحابة من ذلك المنع مطلقا، ولذلك منع عمر رضي الله عنه فى أول خلافته أزواج النبى صلى الله عليه وسلم الحج والعمرة كما روى ابن سعد من طريق أم درة عن عائشة رضى الله عنها قالت منعنا عمر الحج والعمرة حتى إذا كان آخر عام أذن لنا، وإلى ذلك ذهبت زينب بنت جحش وسودة بنت زمعة من أزواج النبى صلى الله عليه وسلم فقالتا "والله لا تحركنا دابة بعد أن سمعنا ذلك من النبى صلى الله عليه وسلم، ولكن يعارضهما حديث عائشة المذكور بعدهما فى الباب بلفظ "قلت للنبى صلى الله عليه وسلم ألا نجاهد معك؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لك أحسن الجهاد وأجمله الحج حج مبرور، فقالت عائشة فلا أدع الحج أبدا بعد أن سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم" رواه أيضا البخارى، ولفظ الاسماعيلى "لو جاهدنا معك، قال لا جهاد- ولكن حج مبرور" وأجيب عن هذا من وجهين (الوجه الأول) أن حديثى أبى هريرة وأبى واقد ليسا صريحين فى المنع فلا يترك بهما المتيقن وهو الجواز المستفاد من حديث عائشة، أما قوله صلى الله عليه وسلم "لا جهاد ولكن حج مبرور" فى جواب قولهن "ألا تخرج فنجاهد معك" كما فى لفظ الاسماعيلى فالمراد به أن ذلك ليس بواجب عليكن كما وجب على الرجال ولم يرد بذلك تحريمه عليهن، فقد ثبت فى حديث أم عطية أنهن كن يخرجن فيداوين الجرحى وفهمت عائشة ومن وافقها من هذا الترغيب فى الحج إباحة تكريره لهن كما أبيح للرجال تكرير الجهاد وخص به عموم قوله صلى الله عليه وسلم "هذه ثم ظهور الحصر" وقوله تعالى {وقرن فى بيوتكن} وكأن عمر رضي الله عنه كان متوقفا فى ذلك ثم ظهر له قوة دليلها فأذن لهن فى آخر خلافته ثم كان عثمان بعده يحج بهن فى خلافته أيضا كما سيجاء (وقال البيهقى) فى حديث عائشة هذا دليل على أن المراد بحديث أبى واقد وجوب الحج مرة واحدة كالرجال لا المنع من الزيادة (وفيه دليل) على أن الأمر بالقرار فى البيوت ليس على سبيل الوجوب اهـ (الوجه الثانى) أن المراد بحديثى أبى هريرة وأبى واقد جواز الترك لا النهى عن الحج لهن بعد حجة الوداع، فقد ثبت حجهن بعد النبى صلى الله عليه وسلم لما أخرج البخارى من طريق ابراهيم عن أبيه عن جده أذن عمر رضى الله عنه لأزواج النبى صلى الله عليه وسلم فى آخر حجة حجها، فبعث معهن عثمان بن عفان وعبد الرحمن (وروى ابن سعد) فى الطبقات بأسناد صححه الحافظ من طريق أبى اسحاق السبيعى، قال رأيت نساء النبى صلى الله عليه وسلم حججن فى هوادج عليها الطيالسة

الصفحة 22