كتاب الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني (اسم الجزء: 11)

-[مذاهب الأئمة فى تفسير الاستطاعة إلى الحج]-
سبيلا" تشتمل على جملة أمور، ومع ذلك فهى نوعان (أحدهما) أن يكون مستطيعًا بنفسه (والثانى) أن يكون عاجزا بنفسه لا يقدر على الثبوت على الراحلة لمرض مزمن أو كبر وله مال أو من يطيعه من ولده أو ولد ولده، فيلزمه أن يستأجر بماله أو يأذن للمطيع فى الحج عنه؛ وتقدم الكلام عليه فى باب وجوب الحج على الشيخ الكبير الخ (وأما الاستطاعة بالنفس) فتشتمل على جملة أمور كما قدمنا (منها) أن يكون صحيحا واجدًا للزاد والراحلة "وفى معنى الراحلة ما حدث من المراكب البرية والبحرية والهوائية" لحديث الجمل المذكور أول الباب، رواه الشيخان وغيرهما، ولأحاديث الزاد والراحلة المذكورة فى الزوائد وإن كانت ضعيفة ولكنها جاءت من عدة طرق عن كثير من الصحابة، وصحح بعضها جماعة من الحفاظ، على أنها لكثرة طرقها يقوى بعضها بعضا فتصلح للاحتجاج بها (وقد استدل بها) من قال إن الاستطاعة المذكورة فى القرآن هى الزاد والراحلة، أما الزاد فهو أن يجد ما يكفيه ويكفي من يعول حتى يرجع، وأما الراحلة أو ما يقوم مقامها فيشترط أن تبلغه مقصوده ذهابًا وإيابًا سواء أكانت ملكه أو بأجرة معتدلة يقدر على دفعها بدون غبن، وهذا إذا كانت المسافة بعيدة لا يمكنه المشى اليها، والى ذلك ذهب الأئمة (أبو حنيفة والشافعى وأحمد) وبه قال الحسن ومجاهد وسعيد بن جبير وإسحاق (قال الترمذى) والعمل عليه عند أهل العلم أن الرجل اذا ملك زادًا أو راحلة وجب عليه الحج اهـ وفسرعكرمة الاستطاعة بالصحة (وقال الضحاك) ان كان شابا فليؤاجر نفسه بأكله وعقبه حتى يقضى نسكه (وعن مالك) ان كان يمكنه المشى وعادته سؤال الناس لزمه الحج، لأن هذه الاستطاعة فى حقه فهو كواجد الزاد والراحلة، وفى ذلك نظر. لأن السؤال محرم الا لضرورة الحياة. فكيف يجعل واجبا لغير ضرورة؟ (وفى حديثى ابن عباس وأم معقل) أنه جعل الحج من السبيل، وقد اختلف الناس فى ذلك، فكان ابن عباس لا يرى بأسا أن يعطى الرجل من زكاته فى الحج، وروى مثل ذلك عن ابن عمر (وكان الأمام أحمد واسحاق) يقولان يعطى من ذلك فى الحج. وقال الأئمة (أبو حنيفة وأصحابه وسفيان الثورى والشافعى) لا تصرف الزكاة الى الحج، وسهم السبيل عندهم الغزاة والمجاهدون (ومنها) أى من الاستطاعة أيضا أن يكون الحاج آمنا على نفسه وماله سواء أكان السفر برًا أم بحرًا فان كان لا بد له من اجتياز البحر جاز له ركوبه، وقد جاء فى ذلك حديث عبد الله بن عمرو ابن العاص رضى الله عنهما، وتقدم فى الزوائد بلفظ "لا يركب البحر الا حاج أو معتمر أو غاز فى سبيل الله- الحديث" رواه أبو داود والبيهقى وآخرون، ولكنه ضعيف، وتقدم الكلام عليه. فان كان البحر هائجا فلا يجوز له ركوبه لا لحج ولا غيره حتى يهدأ لحديث

الصفحة 42