كتاب الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني (اسم الجزء: 11)

-[مذاهب الأئمة واختلافهم فى حكم المحرم للمرأة فى سفر الحج]-
__
__________
وما جاء منها مختلفًا عن رواية واحد فسمعه فى مواطن، فروى تارة هذا وتارة هذا وكله صحيح وليس فى هذا كله تحديد لأقل ما يقع عليه اسم السفر، ولم يرد صلى الله عليه وسلم تحديد أقل ما يسمى سفرا (فالحاصل) أن كل ما يسمى سفرا تنهى عنه المرأة بغبر زوج أو محرم سواء كان ثلاثة أيام أو يومين أو يوما أو بريدا أو غير ذلك لرواية ابن عباس المطلقة (قلت) هى المذكورة قبل الحديث الأخير من أحاديث الباب بلفظ "لا تسافر امرأة إلا ومعها ذو محرم" ولفظ مسلم "الا مع ذى محرم" (قال النووى وأجمعت الأمة) على أن المرأة يلزمها حجة الأسلام اذا استطاعت؛ لعموم قوله تعالى {ولله على الناس حج البيت} وقوله صلى الله عليه وسلم "بنى الأسلام على خمس- الحديث" واستطاعتها كاستطاعة الرجل. لكن اختلفوا فى اشتراط المحرم لها (فأبو حنيفة يشترطه) لوجوب الحج عليها الا أن يكون بينها وبين مكة دون ثلاث مراحل. ووافقه جماعة من أصحاب الحديث وأصحاب الرأى. وحكى ذلك عن الحسن البصرى والنخعى. وقال عطاء وسعيد بن جبير وابن سيرين (ومالك والأوزاعى والشافعى فى المشهور عنه) لا يشترط المحرم بل يشترط الأمن على نفسها (قال أصحابنا) يحصل الأمن بزوج أو محرم أو بنسوة ثقات. ولا يلزمها الحج عندنا الا بأحد هذه الأشياء، فلو وجدت امرأة واحدة ثقة لم يلزمها، لكن يجوز لها الحج معها، هذا هو الصحيح وقال بعض أصحابنا يلزمها بوجود امرأة واحدة. وقد يكثر الأمن ولا تحتاج الى أحد بل تسير وحدها فى جملة القافلة وتكون آمنة. والمشهور من نصوص الشافعى وجماهير أصحابه هو الأول (واختلف أصحابنا) فى خروجها لحج التطوع وسفر الزيارة والتجارة ونحو ذلك من الأسفار التى ليست واجبة. فقال بعضهم يجوز لها الخروج فيها مع نسوة ثقات كحجة الأسلام (وقال الجمهور) لا يجوز الا مع زوج أو محرم. وهذا هو الصحيح للأحاديث الصحيحة. وقد قال القاضى عياض (واتفق العلماء) على أنه ليس لها أن تخرج فى غير الحج والعمرة إلا مع ذى محرم إلا الهجرة من دار الحرب. فاتفقوا على أن عليها أن تهاجر منها الى دار الأسلام وان لم يكن معها محرم، والفرق بينهما أن اقامتها فى دار الكفر حرام اذا لم تستطع اظهار الدين وتخشى على دينها ونفسها. وليس كذلك التأخر عن الحج، فانهم اختلفوا فى الحج هل هو على الفور أم على التراخى (قال القاضى عياض) قال الباجى هذا عندى فى الشابة، وأما الكبيرة غير المشتهاة فتسافر كيف شاءت فى كل الأسفار بلا زوج ولا محرم، وهذا الذى قاله الباجى لا يوافق عليه، لأن المرأة مظنة الطمع فيها ومظنة الشهوة ولو كانت كبيرة، وقد قالوا لكل ساقطة لاقطة، ويجتمع فى الأسفار من سفهاء الناس وسقطهم من لا يرتفع عن الفاحشة بالعجوز وغيرها لغلبة شهوته وقلة دينه

الصفحة 44