كتاب الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني (اسم الجزء: 11)

-[كلام العلماء فى أحاديث تفضيل الأعمال - والجمع بين ما تعارض منها]-
حجٌّ مبرورٌ يُكفِّر خطايا تلك السَّنة (1)
__________
(1) هذا قول أبى هريرة ولا ينافى ما جاء مرفوعا أنه يرجع كهيئته يوم ولدته أمه كما فى الحديث الآتى، وهو كناية عن غفران الذنوب كلها. وسيأتى الكلام عليه فى شرحه (واعلم) أنه جاء فى تفضيل الأعمال أحاديث صحيحة غير هذا عند الشيخين والأمام أحمد فى غير هذا الموضع على غير هذا الترتيب كما فى (حديث ابن مسعود) تفضيل الصلاة ثم بر الوالدين ثم الجهاد، وفى حديث أبى ذر الأيمان والجهاد ولم يذكر الحج (وفى حديث عبد الله بن عمرو) أى الأسلام خير قال تطعم الطعام وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف (وفى حديث أبى موسى) وعبد الله بن عمر أى المسلمين خير قال من سلم المسلمون من لسانه ويده (وصح فى حديث عثمان) خيركم من تعلم القرآن وعلمه، وأمثال هذا فى الصحيح كثيرة فكيف الجمع بينها؟ "قال النووى" رحمه الله اختلف العلماء فى الجمع بينها، فذكر الأمام الجليل أبو عبد الله الحليمى الشافعى عن شيخه الأمام العلامة المتقن أبى بكر القفال الشاشى الكبير وهو غير القفال الصغير المروزى المذكور فى كتب متأخرى أصحابنا الخراسانيين، قال الحليمى وكان القفال أعلم من لقيته من علماء عصره أنه جمع بينها بوجهين (أحدهما) أن ذلك اختلاف جواب جرى على حسب اختلاف الأحوال والأشخاص، فانه قد يقال خير الأشياء كذا ولا يراد به خير جميع الأشياء من جميع الوجوه وفى جميع الأحوال والأشخاص، بل فى حال دون حال أو نحو ذلك. واستشهد فى ذلك بأخبار، منها عن ابن عباس رضى الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال حجة لمن لم يحج أفضل من أربعين غزوة، وغزوة لمن حج أفضل من أربعين حجة (الوجه الثانى) أنه يجوز أن يكون المراد من أفضل الأعمال كذا أو من خيرها، أو من خيركم من فعل كذا، فحذفت من وهى مرادة. كما يقال فلان أعقل الناس وأفضلهم. ويراد أنه من أعقلهم وأفضلهم؛ ومن ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم خيركم خيركم لأهله، ومعلوم أنه لا يصير بذلك خير الناس مطلقًا، ومن ذلك قولهم أزهد الناس فى العالم جيرانه، وقد يوجد فى غيرهم من هو أزهد منهم فيه، هذا كلام القفال، وعلى هذا الوجه الثانى يكون الأيمان أفضلها مطلقا، والباقيات متساوية فى كونها من أفضل الأعمال والأحوال، ثم يعرف فضل بعضها على بعض بدلائل تدل عليها وتختلف باختلاف الأحوال والأشخاص، فان قيل فقد جاء فى بعض هذه الروايات أفضلها كذا ثم كذا بحرف ثم وهى موضوعة للترتيب (فالجواب) أن ثم هنا للترتيب فى الذكر كما قال تعالى {وما أدراك ما العقبة فك رقبة} الى قوله {ثم كان من الذين آمنوا} ومعلوم أنه ليس المراد هنا الترتيب فى الفعل، وكما قال تعالى {قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم أن لا تشركوا به شيئًا وبالوالدين احسانا ولا تقتلوا -الى قوله- ثم آتينا موسى الكتاب}

الصفحة 5