كتاب الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني (اسم الجزء: 11)

-[مذاهب العلماء فى مشروعية العمرة فى جميع السنة - ومن أين يحرم لها]-
__
__________
أحاديث الباب تدل على مشروعية العمرة فى جميع أشهر السنة قبل الحج وبعده وفى أشهر الحج أيضا (وإلى ذلك ذهب الجمهور) قال الشوكانى (وذهبت الهادوية) إلى أن العمرة فى أشهر الحج مكروهة، وعللوا ذلك بأنها تشغل عن الحج فى وقته، وهذا من الغرائب التى يتعجب الناظر منها، فان الشارع صلى الله عليه وسلم إنما جعل عمره كلها فى أشهر الحج لأبطال ما كانت عليه الجاهلية من منع الاعتمار فيها كما عرفت، فما الذى سوغ مخالفة هذه الأدلة الصحيحة والبراهين الصريحة وألجأ إلى مخالفة الشارع وموافقة ما كانت عليه الجاهلية، ومجرد كونها تشغل عن أعمال الحج لا يصلح مانعًا ولا يحسن نصبه فى مقابلة الأدلة الصحيحة؛ وكيف يجعل مانعا وقد اشتغل بها المصطفى صلى الله عليه وسلم فى أيام الحج وأمر غيره بالاشتغال بها فيها، ثم أىُّ شغل لمن لم يرد الحج أو أراده وقدم مكة من أول شوال، لا جرم من لم يشتغل بعلم السنة المطهرة حق الاشتغال يقع فى مثل هذه المضايق التى هى السم القتَّال والداء العضال، قال وحكى فى البحر عن الهادى أنها تكره فى أيام التشريق (قال أبو يوسف) يوم النحر (وقال أبو حنيفة) ويوم عرفة اهـ قال الحافظ (واختلف السلف) فى جواز الاعتمار فى السنة أكثر من مرة (فكرهه مالك) وخالفه مطرف وطائفة من أتباعه وهو قول الجمهور (واستثنى أبو حنيفة) يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق، ووافقه أبو يوسف إلا فى يوم عرفة (واستثنى الشافعى) البائت بمنى لرمى أيام التشريق، وفيه وجه اختاره بعض الشافعية فقال بالجواز مطلقا كقول الجمهور والله أعلم (واختلفوا أيضًا) هل يتعين التنعيم لمن اعتمر من مكة؟ فروى الفاكهى وغيره من طريق محمد بن سيرين قال بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقَّت لأهل مكة التنعيم، ومن طريق عطاء قال من أراد العمرة ممن هو من أهل مكة أو غيرها فليخرج إلى التنعيم أو إلى الجعرانة فليحرم منها، وأفضل ذلك أن يأتي وقتا أى ميقاتا من مواقيت الحج (قال الطحاوى) ذهب قوم إلى أنه لا ميقات للعمرة لمن كان بمكة إلا التنعيم، ولا ينبغى مجاوزته كما لا ينبغى مجاوزة المواقيت التى للحج، وخالفهم آخرون فقالوا ميقات العمرة الحل، وإنما أمر النبى صلى الله عليه وسلم عائشة بالأحرام من التنعيم، لأنه كان أقرب الحل من مكة؛ ثم روى من طريق ابن أبى مليكة عن عائشة فى حديثها، قالت وكان أدنانا من الحرم التنعيم فاعتمرت منه، قال فثبت بذلك أن ميقات مكة للعمرة الحل وأن التنعيم وغيره فى ذلك سواء اهـ (واستدل بحديث خروج عائشة إلى التنعيم مع أخيها) على جواز الخلوة بالمحارم سفرا وحضرا وعلى جواز إرداف المحرم محرمه معه (واستدل به) على تعيين الخروج الى الحل لمن أراد العمرة ممن كان بمكة وهو أحد قولى العلماء، والثانى تصح العمرة ويحب عليه دم لترك الميقات (قال الحافظ) وليس فى حديث الباب ما يدفع ذلك اهـ (واستدل به أيضا) على أن أفضل جهات الحل التنعيم

الصفحة 57