كتاب الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني (اسم الجزء: 11)

-[شبهة القائلين بأن النبي صلى الله عليه وسلم أحرم أولا بالعمرة]-
تمتَّع النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم في حجَّة الوداع بالعمرة إلى الحجِّ وأهدى فساق معه الهدى من ذي الحليفة وبدأ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فأهلَّ بالعمرة ثمَّ أهلَّ بالحجِّ وتمتَّع النَّاس مع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بالعمرة إلى الحجِّ، فإنَّ من النَّاس من أهدى فساق الهدى ومنهم من لم يهد، فلمَّا قدم رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال للنَّاس من كان منكم أهدى فإنَّه لا يحلُّ من شئٍ حرم منه حتَّى يقضى حجَّه، ومن لم يكن منكم أهدى فليطف بالبيت وبالصَّفا والمروة وليقصّر وليحلل ثمَّ ليهلَّ بالحجِّ وليهد، فمن لم يجد هديًا فليصم ثلاثة أيامٍ في الحجِّ وسبعةً
__________
ثنا ليث قال حدثنى عقيل عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله - الحديث" (غريبه) (1) قال القاضى عياض رحمه الله قوله تمتع هو محمول على التمتع اللغوى. وهو القران آخرا، ومعناه أنه صلى الله عليه وسلم أحرم أولا بالحج مفردًا ثم أحرم بالعمرة فصار قارنًا فى آخر أمره، والقارن هو متمع من حيث اللغة ومن حيث المعنى، لأنه ترفه باتحاد الميقات والأحرامم والفعل، ويتعين هذا التأويل هنا للجمع بين الأحاديث فى ذلك وممن، روى إفراد النبى صلى الله عليه وسلم ابن عمر الراوى هنا (وأما قوله بدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فأهل بالعمرة ثم أهل بالحج) فهو محمول على التلبية فى أثناء الأحرام، وليس المراد أنه أحرم فى أول أمره بعمرة ثم أحرم بحج لأنه يفضى إلى مخالفة الأحاديث السابقة "يعنى أنهم أحرموا أولا بالحج كما ثبت ذلك عن جابر وعائشة" قال ويؤيد هذا التأويل (قوله تمتع الناس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعمرة إلى الحج) ومعلوم أن كثيرًا منهم أو أكثرهم أحرموا بالحج أولا مفردا، وإنما فسخوه إلى العمرة آخرا فصاروا متمتعين "فقوله وتمتع الناس" يعنى فى آخر الأمر والله أعلم (3) معناه أن من لم يكن معه هدى فليفعل الطواف والسعى والتقصير، وقد صار حلالا فله فعل ما كان محظورا عليه فى الأحرام من الطيب واللباس والنساء والصيد وغير ذلك، وإنما أمرهم النبى صلى الله عليه وسلم بالتقصير ولم يأمرهم بالحلاق مع أن الحلاق أفضل لما تقدم من أنه صلى الله عليه وسلم أمر بذلك ليبقى له شعر يحلقه فى الحج، فان الحلاق فى تحلل الحج أفضل منه فى تحلل العمرة (قال النووى) وهذا دليل على أن التقصير أو الحلق نسك من مناسك الحج، وهذا هو الصحيح فى مذهبنا. وبه قال جماهير العلماء اهـ (وقوله ثم ليهل بالحج) معناه يحرم به في وقت الخروج

الصفحة 87