كتاب الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني (اسم الجزء: 11)

-[أدلة القائلين بأنه صلى الله عليه وسلم كان مفردا في حجته - وكلام القاضى عياض في ذلك]-
.....
__________
ما سبق (يعني أنه كان أولا مفردا ثم صار قارنا) قال واحتج الشافعى وأصحابه فى ترجيح الأفراد بأنه صح ذلك من رواية جابر وابن عمر وابن عباس وعائشة، وهؤلاء لهم مزية فى حجة الوداع على غيرهم (فأما جابر) فهو أحسن الصحابة سياقة لرواية حديث حجة الوداع فانه ذكرها من حين خروج النبى صلى الله عليه وسلم من المدينة الى آخرها فهو أضبط لها من غيره (وأما ابن عمر) فصح عنه أنه كان آخذا بخطام ناقة النبى صلى الله عليه وسلم فى حجة الوداع، وأنكر على من رجح قول أنس على قوله، وقال كان أنس يدخل على النساء وهن مكشفات الرءوس وإنى كنت تحت ناقة النبى صلى الله عليه وسلم يمسنى لعابها أسمعه يلبى بالحج (وأما عائشة) فقربها من رسول الله صلى الله عليه وسلم معروف، وكذلك اطلاعها على باطن أمره وظاهره وفعله فى خلوته وعلانيته مع كثرة فقهها وعظم فطنتها (وأما ابن عباس) فمحله من العلم والفقه فى الدين والفهم الثاقب معروف مع كثرة بحثه وتحفظه أحوال رسول الله صلى الله عليه وسلم التى لم يحفظها غيره، وأخذه إياها من كبار الصحابة (ومن دلائل ترجيح الأفراد) أن الخلفاء الراشدين رضى الله عنهم بعد النبى صلى الله عليه وسلم أفردوا الحج وأفردوا الحج وواظبوا على إفراده، وكذلك أبو بكر وعمر وعثمان رضى الله عنهم واختلف فعل على رضى الله عنه، ولم يكن الأفراد أفضل وعلموا أن النبى صلى الله عليه وسلم حج مفردا لم يواظبوا عليه مع أنهم الأئمة الأعلام وقادة الأسلام، ويقتدى بهم فى عصرهم وبعدهم، فكيف يليق بهم المواظبة على خلاف فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما الخلاف عن على رضى الله عنه وغيره فانما فعلوه لبيان الجواز. وقد ثبت فى الصحيح ما يوضح ذلك (ومنها) أن الأفراد لا يجب فيه دم بالأجماع وذلك لكماله، ويجب الدم فى التمتع والقران وهو دم جبران لفواة الميقات وغيره فكان ما لا يحتاج إلى جبر أفضل اهـ (قلت) وأجاب الطحاوى عن ذلك بأن هذا مبنى على أن دم القران دم جبران، وقد منعه من رجح القران وقال إنه دم فضل وثواب كالأضحية، ولو كان دم نقص لما تام الصيام مقامه ولأنه يؤكل منه، ودم النقص لا يؤكل منه كدم الجزاء (وقال القاضى عياض) رحمه الله قد أكثر الناس الكلام على هذه الأحاديث فمن مجيد منصف ومن مقصر متكلف ومن مطيل مكثر ومن مقصر مختصر، قال وأوسعهم فى ذلك نفسا أبو جعف الطحاوى الحنفى فانه تكلم فى ذلك فى زيادة على ألف ورقة، وتكلم معه فى ذلك أبو جعفر الطبرى ثم أبو عبد الله بن أبى صفرة ثم المهلب. والقاضى أبو عبد الله بن المرابط. والقاضى أبو الحسن بن القصار البغدادى والحافظ أبو عمرو بن عبد البر وغيرهم (قال القاضى عياض) وأولى ما يقال فى هذا على ما فحصناه من كلامهم واخترناه من اختياراتهم مما هو أجمع للروايات وأشبه بمساق الأحاديث أن النبى صلى الله عليه وسلم أباح للناس فعل هذه الأنواع الثلاثة ليدل على جواز جميعها ولو أمر بواحد

الصفحة 96