كتاب الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني (اسم الجزء: 11)

-[جمع القاضي عياض بين مختلف الروايات في إحرام النبي صلى الله عليه وسلم وحجج القائلين بالقرآن]-
.....
__________
لكان غيره يظن أنه لا يجزاء فأضيف الجميع اليه وأخبر كل واحد بما أمره به وأباحه له ونسبه إلى النبى صلى الله عليه وسلم إما لأمره به وإما لتأويله عليه (وأما إحرامه صلى الله عليه وسلم بنفسه) فأخذ بالأفضل فأحرم مفردا للحج وبه تظاهرت الروايات الصحيحة (وأما الروايات بأنه كان متمتعًا) فمعناها أمر به (وأما الروايات بأنه كان قارنا) فأخبار عن حالته الثانية لا عن ابتداء إحرامه، بل إخبار عن حاله حين أمر أصحابه بالتحلل من حجهم وقلبه إلى عمرة لمخالفة الجاهلية إلا من كان معه هدى، وكان هو صلى الله عليه وسلم ومن معه هدى فى آخر احرامهم قارنين بمعنى أنهم أدخلوا العمرة على الحج؛ وفعل ذلك مواساة لأصحابه وتأنيسا لهم فى فعلها فى أشهر الحج لكونها كانت منكرة عندهم فى أشهر الحج ولم يمكنه التحلل معهم بسبب الهدى، واعتذر اليهم بذلك فى ترك مواساتهم فصار صلى الله عليه وسلم قارنا فى آخر أمره، وقد اتفق جمهور العلماء على جواز ادخال الحج على العمرة، وشذ بعض الناس فمنعه وقال لا يدخل إحرام على إحرام كما لا تدخل صلاة على صلاة (واختلفوا) فى إدخال العمرة على الحج فجوزه أصحاب الرأى (وهو قول الشافعى) لهذه الأحاديث، ومنعه آخرون وجعلوا هذا خاصا بالنبى صلى الله عليه وسلم لضرورة الاعتمار حينئذ فى أشهر الحج؛ قال وكذلك يتأول قول من قال كان متمتعا أى تمتع بفعل العمرة فى أشهر الحج وفعلها مع الحج، لأن لفظ التمتع يطلق على معان فانتظمت الأحاديث واتفقت، قال ولا يبعد رد ما ورد عن الصحابة من فعل مثل ذلك الى مثل هذا مع الروايات الصحيحة أنهم أحرموا بالحج مفردا، فيكون الأفراد إخبارا عن فعلهم أولا، والقران اخبارا عن احرام الذين معهم هدى بالعمرة ثانيا، والتمتع لفسخهم الحج الى العمرة ثم اهلالهم بالحج بعد التحلل منها كما فعل كل من لم يكن معه هدى اهـ (قال الحافظ) وهذا الجمع هو المعتمد وقد سبق اليه قديما ابن المنذر وبيَّنه ابن حزم فى حجة الوداع بيانا شافيا ومهده المحب الطبرى تمهيدا بالغا يطول ذكره، ومحصله أن كل من روى عنه الأفراد حمل على ما أهل به فى أول الحال، وكل من روى عنه التمتع أراد ما أمر به أصحابه، وكل من روى عنه القران أراد ما استقر عليه الأمر (ورجح الحافظ رواية من روى القران) بأمور يطول ذكرها (منها) أن أحاديثه مشتملة على زيادة عن من روى الأفراد وغيره والزيادة مقبولة إذا خرجت من مخرج صحيح فكيف اذا ثبتت من طرق كثيرة عن جمع من الصحابة "وتقدم فى ذكرهم فى أول الأحكام" (ومنها) أن من روى الأفرد والتمتع اختلف عليه فى ذلك لأنهم جميعا روى عنهم أنه صلى الله عليه وسلم حج قرانا (ومنها) أن روايات القران لا تحتمل التأويل بخلاف روايات الأفراد والتمتع فانها تحتمله (ومنها) أن رواة القران أكثر كما تقدم (ومنها) أن فيهم من أخبر عن سماعه لفظا صريحا، وفيهم من أخبر عن أخباره صلى الله عليه وسلم

الصفحة 97