كتاب الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني (اسم الجزء: 11)

-[جواز التبرك بآثار النبي صلى الله عليه وسلم كما ورد - والتحذير من مجاوزته إلى ما يجر إلى مفسدة]-
.....
__________
كذلك تطييبًا لقلوب أصحابه لحزنهم على فوات موافقته ففاسد، لأن المقام مقام تشريع للعباد، وهو لا يجوز عليه صلى الله عليه وسلم أن يخبر بما يدل على أن ما فعلوه من التمتع أفضل مما استمر عليه والأمر على خلاف ذلك، وهل هذا إلا تغرير يتعالى عنه مقام النبوة، قال وبالجملة لم يوجد فى شاء من الأحاديث ما يدل على أن بعض الأنواع أفضل من بعض غير هذا الحديث، فالتمسك به متعين. ولا ينبغى أن يلتفت إلى غيره من المرجحات فانها فى مقابلته ضائعة اهـ (هذا وأحاديث الفصل) المروية عن نافع عن ابن عمر رضى الله عنهما تدل على استحباب النزول فى الأماكن التى نزل فيها النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم والصلاة فى المساجد التى صلى فيها فى طريقه بين مكة والمدينة فى حجة الوداع تبركا بأثره الشريف كما كان يفعل ابن عمر رضى الله عنهما، فقد كان يستحب التببع لآثار النبى صلى الله عليه وسلم والتبرك بها إلا ما ورد النهى عنه كاتخاذ قبور الأنبياء والصالحين مساجد، والاستغاثة بأصحاب تلك القبور من ضر نزل به أو طلب منفعة تعود عليه كما يفعل كثير من الناس الآن، فان هذا إشراك بالله الواحد الأحد الفرد الصمد الذى لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد، فالله وحده هو الضار النافع لا يشاركه فى ذلك أحد مهما علت درجته، قال تعالى مخاطبا أفضل خلقه {قل لا أملك لنفسى نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله، ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسنى السوء. إن أنا إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون} فواجب على العلماء أن يعلموا العوام هذه العقيدة ويغرسوها فى قلوبهم، وإلا كانوا كعلماء بنى إسرائيل الذين لعنهم الله فى كتابه العزيز بقوله عز وجل {لعن الذين كفروا من بنى اسرائيل على لسان داود وعيسى بن مريم. ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون * كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه، لبئس ما كانوا يفعلون} إذا علمت هذا فلا بأس بالنزول فى الأمكنة التى نزل بها النبى صلى الله عليه وسلم وصلى فيها اقتداء به، ولكن على شرط أن لا يجر ذلك إلى اعتقاد وجوبه؛ فقد روى شعبة عن سليمان التيمى عن المعرور بن سويد قال كان عمر بن الخطاب رضى الله عنه فى سفر فصلى الغداة ثم أتي على مكان فجعل الناس يأتونه ويقولون صلى فيه النبى صلى الله عليه وسلم، فقال عمر إنما هلك أهل الكتاب أنهم كانوا اتبعوا آثار أنبيائهم فاتخذوا كنائس وبيعًا؛ فمن عرضت له الصلاة فليصل وإلا فليمض، وإنما كره عمر رضى الله عنه ذلك لأنه خشى أن يلتزم الناس فى الصلاة فى تلك المواضع فيشكل ذلك على من يأتى بعدهم ويرى ذلك واجبا، وكذا ينبغى للعالم إذا رأى الناس يلتزمون النوافل التزاما شديدا أن يترخص فيها فى بعض المرات ليعلم بفعله ذلك أنها غير واجبة كما فعل ابن عباس فى ترك الأضحية، وروى أشهب عن مالك أنه سئل عن الصلاة فى المواضع التى صلى فيها الشارع فقال ما يعجبني ذلك إلا في

الصفحة 99