كتاب الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني (اسم الجزء: 12)

__________
الباب تدل على مشروعية فسخ الحج إلى العمرة ومعناه أن من أحرم بالحج مفردا أو قارنا ولم يسق الهدي وطاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة قبل الوقوف بعرفة له أن يفسخ نيته بالحج وينوى عمرة مفردة، فيقصر ويحل من إحرامه ليصير متمتعا (قال النووي) رحمه الله وقد اختلف العلماء في هذا الفسخ هل هو خاص للصحابة تلك السنة خاصة أم باق لهم ولغيرهم إلى يوم القيامة؟ (فقال أحمد وطائفة من أهل الظاهر) ليس خاصا بل هو باق إلى يوم القيامة فيجوز لكل من أحرم بحج وليس معه هدي أن يقلب إحرامه عمرة ويتحلل بأعمالها (وقال مالك والشافعي وأبو حنيفة) وجماهير العلماء من السلف والخلف هو مختص بهم في تلك السنة لا يجوز بعدها، وإنما أمروا به تلك السنة ليخالفوا ما كانت عليه الجاهلية من تحريم العمرة في أشهر الحج، ومما يستدل به للجماهير حديث أبى ذر رضي الله عنه الذي ذكره مسلم قال " كانت المتعة في الحج لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم خاصة" يعنى فسخ الحج إلى العمرة (وفي كتاب النسائي) عن الحارث بن بلال عن أبيه قال قلت يا رسول الله فسخ الحج لنا خاصة أم للناس عامة فقال بل لنا خاصة، وأما الذى في حديث سراقة ألعامنا هذا أم للأبد فقال لأبد أبد " هكذا رواية مسلم" ورواية الإمام أحمد " لا بل للأبد" فمعناه جواز الاعتمار في أشهر الحج، قال فالحصل من مجموع طرق الأحاديث ان العمرة في أشهر الحج جائزة إلى يوم القيامة وكذلك القرآن، وأن فسخ الحج إلى العمرة مختص بتلك السنة اهـ كلام النووي (قلت) لكن عارض المجوزون للفسخ وهم الإمام أحمد ومجاهد والحسن وداود الظاهري وأهل الظاهر ما احتج به المانعون وهم الجمهور بأحاديث كثيرة صحيحة جاءت عن خمسة عشر من الصحابة، روى الإمام أحمد رحمه الله ثلاثة عشر حديثا منها في مسنده، أوردت منها في هذا الباب تسعة أحاديث عن تسعة من الصحابة وهم جابر، والبراء، وعائشة، وابن عباس، واسماء، وأنس، وأبو سعيد، وابن عمر، وسراقة رضي الله عنهم والعاشر عن حفصة وتقدم في الباب السابق والحادي عشر عن علي، والثاني عشر عن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، والثالث عشر عن أبى موسى رضي الله عنهم، وهذه تقدمت في أبواب متفرقة من أبواب الحج، وبقى حديثان من الخمسة عشر (أحدهما) عن الربيع بن سبرة (والثاني) عن سهل بن حنيف رضى الله عنهما ذكرتهما في الزوائد (قال الحافظ ابن القيم) رحمه الله في الهدى، وروى ذلك عن هؤلاء الصحابة طوائف من كبار التابعين حتى صار منقولا عنهم نقلا يرفع الشك ويوجب اليقين ولا يمكن أحد أن ينكره أو يقول لم يقع وهو مذهب أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومذهب حبر الأمة وبحرها ابن عباس وأصحابه ومذهب أبى موسى الأشعري، ومذهب إمام أهل السنة والحديث أحمد بن حنبل وأهل الحديث معه، ومذهب

الصفحة 106