كتاب الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني (اسم الجزء: 12)
.
__________
بالفسخ، ولو سلم أن الأمر بالفسخ لتلك العلة لكان أفضل لأجلها فيحصل المطلوب لأن ما فعله صلى الله عليه وسلم في المناسك لمخالفة أهل الشرك مشروع إلى يوم القيامة، ولاسيما وقد قال صلى الله عليه وسلم إن عمرة الفسخ للأبد كما تقدم (ومن تمسكاتهم أيضا) ما روى عن عثمان رضى الله عنه في النهي عن التمتع بالعمرة، وحمله بعضهم على الفسخ قالوا ومثله لا يقال بالرأي (قلت) تقدم ذلك في حديث رقم 115 صحيفة 152 في باب ما جاء في القرآن من الجزء الحادي عشر على أن عثمان رضى الله عنه صرح في الحديث نفسه بقوله إني لم أنه عنها، إنما كان رأيا أشرت به فمن شاء أخذ به ومن شاء تركه (وأجاب القائلون بالفسخ) بأن هذا من مواطن الاجتهاد ومما للرأي فيه مدخل على أنه ثبت في الصحيحين وعند الإمام أحمد وتقدم عن عمران بن حصين أنه قال تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزل القرآن فقال رجل برأيه ما شاء فهذا تصريح من عمران أن المنع من التمتع بالعمرة إلى الحج من بعض الصحابة إنما هو من محض الرأي فكما أن المنع من التمتع على العموم من قبل الرأي كذلك دعوى اختصاص التمتع بالفسخ بجماعة مخصوصة (وقد اختلف القائلون بالفسخ في حكمه) هل هو واجب أومستحب فذهب الإمام أحمد إلى أنه مستحب ومال فريق إلى الوجوب مستدلين بحديث البراء لأنه صرح فيه بغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصحابة حينما أمرهم بالفسخ وترددوا فيه، قالوا لأن الأمر لو كان أمر ندب لكان المأمور مخيرا بين فعله وتركه، ولما كان يغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم عند مخالفته لأنه لا يغضب إلا لانتهاك حرمة من حرمات الدين، لا لمجرد مخالفة ما أرشد على من جهة الندب ولا سيما وقد قالوا له قد أحرمنا بالحج فكيف نجعلها عمرة؟ فقال لهم انظروا ما آمركم به فافعلوا فإن ظاهر هذا أن ذلك أمر حتم، لأنه لو كان لبيان الأفضل أو لقصد الترخيص لبين لهم بعد هذه المراجعة أن ما أمرتكم به هو الأفضل، أو قال لهم إنى أردت الترخيص لكم والتخفيف عنكم أو نحو ذلك، والظاهر أن الوجوب رأي ابن عباس رضي الله عنهما لقوله فيما تقدم أن الطواف بالبيت يصيره إلى عمرة شاء أم أبى، ولقوله في بعض أحاديث الباب" سنة نبيكم وإن رغمتم" (قال الحافظ ابن القيم) رحمه الله بعد أن ذكر حديث البراء المشار إليه وغضبه صلى الله عليه وسلم لما لم يفعلوا ما أمرهم به من الفسخ ونحن نشهد الله علينا أنا لو أحرمنا بحج لرأينا فرضا علينا فسخة إلى عمرة تفاديا من غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم واتباعا لأمرهم، فوالله ما فسخ هذا في حياته ولا بعده ولا صح حرف واحد يعارضه ولا خص به أصحابه دون من بعدهم بل أجرى على لسان سراقة أن سأله هل ذلك مختص بهم فأجاب أن ذلك كان لأبد الأبد، فما ندرى ما يقدم على هذه الأحاديث وهذا الأمر المؤكد الذي غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم على من خالفه اهـ (قال الشوكاني) رحمه