كتاب الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني (اسم الجزء: 12)
-[مذاهب العلماء في حكم الوقوف بالمشعر الحرام واستقبال الكعبة فيه]-
فقلب وجهي عن وجهها (1) ثم أعدت النظر فقلب وجهي عن وجهها حتى فعل ذلك ثلاثًا وأنا لا أنتهي (2) فلم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة (3)
__________
يساير النبي صلى الله عليه وسلم أي يجاريه في السير ويسير معه (1) أي صرفه عن وجهها بيده كما جاء في بعض الروايات الصحيحة "فالتقى النبي صلى الله عليه وسلم والفضل ينظر إليها فأخلف بيده فأخذ بذقن الفضل فدفع وجهه عن النظر إليها" (2) جاء في رواية عن ابن عباس عند الإمام أحمد بنحو ما تقدم، وفيها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن أخي- هذا يوم من ملك فيه سمعه وبصره ولسانه غفر له (وفي رواية) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رأيت غلامًا حدثًا وجارية حدثة فخشيت أن يدخل بينهما الشيطان (3) فيه دلالة على استحباب استمرار التلبية حتى ترمي جمرة العقبة (تخريجه) (ق. وغيرهما) (زوائد الباب) (عن جابر) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم القصواء حتى أتى المشعر الحرام فاستقبل القبلة فدعاه وكبره وهلله ووحده فلم يزل واقفاً حتى أسفر جدًا فدفع قبل أن تطلع الشمس. رواه مسلم (الأحكام) أحاديث الباب تدل على جملة أحكام (منها) مشروعية الوقوف بالمشعر الحرام بالمزدلفة، وللمزدلفة ثلاثة أسماء، مزدلفة. وجمع. والمشعر الحرام، وحدها من مأزمى عرفة إلى قرن محسر، وما على يمين ذلك وشماله من الشعاب، ففي أي موضع وقف منها أجزأه لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث على المذكور في أول الباب "وجمع كلها موقف" وليس وادي محسر من مزدلفة لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث جبير بن مطعم "وكل مزدلفة موقف وارفعوا عن محسر" وتقدم في باب وجوب الوقوف بعرفة (وقد اختلف) العلماء في حكم الوقوف بالمشعر الحرام (فذهب جماعة من أهل العلم) منهم مجاهد وقتادة والزهري والثوري على أن من لم يقف بالمشعر الحرام فقد ضيع نسكًا وعليه دم، وهو قول الأئمة (أبي حنيفة وأحمد وإسحاق وأبي ثور والشافعي في رواية) وروى عن عطاء والأوزاعي (وإليه ذهب المالكية) وهو المشهور عند الشافعية أنه لا دم عليه لأنه سنة لا واجب (وذهب ابن بنت الشافعي) وابن خزيمة إلى أن الوقوف به ركن لا يتم الحج إلا به، وأشار ابن المنذر إلى ترجيحه، وهو مروى عن علقمة والنخعي والشعبي، واحتج عليهم الطحاوي بأن الله عز وجل لم يذكر الوقوف وإنما قال "فاذكروا الله عند المشعر الحرام" وقد أجمعوا على أن من وقف بها بغير ذكر أن حجه تام، فإذا كان الذكر المذكور في القرآن ليس من تمام الحج فالموطن الذي يكون فيه الذكر أحرى أن لا يكون فرضًا (ومنها مشروعية استقبال القبلة) حال الوقوف والدعاء والذكر والتلبية، وإلى استحباب ذلك ذهب كافة العلماء لحديث جابر المذكور في الزوائد، ولقوله عز وجل "فاذكروا