كتاب الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني (اسم الجزء: 12)
__________
عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في مرض موته" لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد" تقول عائشة يحذرهم مثل الذي صنعوا (وفي رواية) قالت عائشة ولولا ذلك لأبرز قبره، ولكن كره أن يتخذ مسجدا، فهم دفنوه في حجرة عائشة بخلاف ما اعتادوه من الدفن في الصحراء لئلا يصلي أحد على قبره ويتخذ مسجدا فيتخذ قبره وثنا، وكان الصحابة والتابعون لما كانت الحجرة النبوية منفصلة عن المسجد إلى زمن الوليد بن عبد الملك لا يدخل أحد منهم عنده لا لصلاة هناك ولا لتمسح بالقبر ولا لدعاء هناك، بل كانوا يصلون في المسجد ويدعون فيهن وكان السلف من الصحابة والتابعين إذا سلموا عليه أو أرادوا الدعاء دعوا مستقبلي القبلة ولم يستقبلوا القبر، وأما وقت السلام عليه صلى الله عليه وسلم فقال أبو حنيفة: يستقبل القبلة أيضا ولا يستقبل القبر، وقال أكثر الأئمة بل يستقبل القبر عند السلام خاصة ولم يقل أحد من الأئمة إنه يستقبل عند الدعاء، واتفق الأئمة على أنه لا يتمسح بقبر النبي صلى الله عليه وسلم ولا يقبله وهذا كله محافظة على التوحيد، فإن من أصول الشرك بالله اتخاذ القبور مساجد كما قالت طائفة من السلف في قوله تعالى" وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا" قالوا هؤلاء كانوا قوما صالحين في قوم نوح، فلما ماتوا عكفوا على قبورهم ثم صورهم تماثيل ثم طال عليهم الأمد فعبدوها، وقد ذكر هذا المعنى في الصحيحين وعند الإمام أحمد عن عائشة رضي الله عنها أن أم حبيبة وأم سلمة ذكرتا كنيسة رأينها بالحبشة فيها تصاوير، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بنوا على قبره مسجدا وصوروا فيه تلك الصور أولئك شرار الخلق عند الله عز وجل يوم القيامة، وذكر الإمام محمد بن جرير في تفسيره عن غير واحد من السلف، أنظر باب النهي عن اتخاذ قبور الأنبياء والصالحين مساجد للتبرك والتعظيم صحيفة 37 من كتاب المساجد في الجزء الثالث من كتابنا هذا واقرأ أحكامه وكلام المحقيقين في ذلك، وما جر المصائب على عوام الناس وغرس في أذهانهم أن الصالحين من أصحاب القبور ينفعون ويضرون حتى صاروا يشركونهم مع الله في الدعاء ويطلبون منهم قضاء الحوائج ودفع المصائب إلا تساهل معظم المتأخرين من العلماء، وذكر هذه البدع في كتبهم ولا أدري ما الذي الجأهم إلى ذلك وأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم تحذر منه، أكان هؤلاء أعلم بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم من عمر بن الخطاب رضي الله عنه حيث أمر بقطع الشجرة التي بويع تحتها النبي صلى الله عليه وسلم فقطعها لأن الناس كانوا يذهبون فيصلون تحتها تبركا، وما أمر عمر رضي الله عنه بقطعها إلا خوفا من الافتنان بها، وثبت عنه رضي الله عنه أنه رأى الناس في سفر يتبادرون إلى مكان، فسأل عن ذلك فقالوا قد صلى فيه النبي صلى الله عليه وسلم فقال عمر رضي الله عنه من عرضت له