كتاب الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني (اسم الجزء: 13)

-[مذاهب العلماء في قدر العقيقة وسنها وما تجوز به]-
.....
__________
(قال ابن المنذر) وممن كان يرى العقيقة ابن عمر وابن عباس وفاطمة بنت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وعائشة وبريدة الأسلَّمي والقاسم بن محمد وعروة بن الزبير وعطاء والزهري وأبو الزناد ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور وآخرون من أهل العلم يكثر عددهم، قال وانتشر عمل ذلك في عامة بلدان المسلمين متبعين في ذلك ما سنه لهم رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، قال وإذا كان كذلك لم يضر السنة من خالفها وعدل عنها اهـ. هذا ما يختص بحكم العقيقة (أما ما يختص بقدرها) فقد اختلف العلماء فيه أيضًا (فذهب الأئمة الشافعي وأحمد وإسحاق) وأبو ثور وداود وجمهور العلماء إلى أنه يعق عن الغلام شاتين وعن الجارية شاة، وهو قول ابن عباس وعائشة رضي الله عنهم (قال ابن المنذر) وكان ابن عمر يعق عن الغلام والجارية شاةً شاةً (وبه قال أبو جعفر ومالك) وقال الحسن وقتادة لا عقيقة عن الجارية، وأحاديث الباب ترد عليهما (واختلفوا أيضًا فيما تجوز به العقيقة) فذهب الأئمة الثلاثة (مالك والشافعي وأحمد والجمهور) إلى تخصيصها ببهيمة الأنعام كالأضحية، وهي الإبل والبقر والغنم وسواه في ذلك الذكور والإناث لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم في حديث أم كرزٍ "لا يضركم ذكرانًا كن أم إناثًا" وبه قال أنس بن مالك رضي الله عنه لإطلاق ذلك في بعض أحاديث الباب حديث سلَّمان بن عامر "أريقوا عنه دمًا" إلا أن الشافعية جوزوا أن تكون البدنة عن سبعة والبقرة عن سبعة، وقالوا لو أراد بعضهم العقيقة وبعضهم غيرها جاز كما في الأضحية، وخالفهم في ذلك المالكية والحنابلة فقالوا لا تجزئ البدنة ولا البقرة إلا عن واحد (وخص آخرون العقيقة بالغنم فقط) لظاهر الأحاديث التي فيها عن الغلام شاتان وعن الجارية شاةٌ، لأن لفظ شاة لا يقع إلى على الغنم وهي الضأن والمعز (وإليه ذهب إسحاق بن شعبان من المالكية وابن حزم) وحكاه ابن المنذر عن حفصة بنت عبد الرحمن بن أبي بكر (واختلفوا أيضًا في سنن العقيقة) فذهب الأئمة الثلاثة (مالك والشافعي وأحمد) وجمهور العلماء إلى أن العقيقة لا يجزئ فيها اقل من جذعة الضأن والثنى من المعز كالضحايا والهدايا لأنه ذبح مسنون إما وجوبًا أو استحبابًا يجري مجرى الهدي والأضحية في الصدقة والهدية فاعتبر فيه المن الذي يجزئ فيهما (قال الإمام مالك) رحمه الله العقيقة "بمنزلة النسك والضحايا لا يجوز فيها عوراء ولا عجفاء ولا مكسورة ولا مريضة ولا يباع من لحمها شيء ولا جلدها ولا يكسر عظمها ويأكل أهلها منها ويتصدقون (وذهب ابن حزم) إلى أن الجذعة لا تجزئ في العقيقة أصلًا ولا يجزئ ما دونها مما لا يقع عليه اسم شاة، قال ويجزئ الذكر والأنثى من كل ذلك، ويجزئ المعيب سواء كان مما يجوز في الأضاحي أولًا، والسالم أفضل اهـ (وتوسع آخرون في العقيقة) فقالوا يجزئ فيها العصفور، حكاه ابن حزم عن م حمد بن إبراهيم التيمي. والله سبحانه وتعالى أعلم.

الصفحة 125