كتاب الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني (اسم الجزء: 13)

-[مذاهب العلماء في الذبح بعد الصلاة - وهل المراد صلاة المضحي أو صلاة الإمام]-
.....
__________
في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للسائل قل لأبيك يصلي ثم يذبح جوابًا لقوله "إن أبي ذبح قبل أن يصلي" وفي حديث جندب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من كان ذبح قبل أن يصلي فليعد (وفي رواية) قبل أن نصلي الأولى بالياء التحتية والثانية بالنون، رواهما الإمام أحمد ومسلم، ورواية النون موافقة لرواية أخرى عند الإمام أحمد بلفظ "قبل صلاتنا" وهذه صريحة في أن المراد صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ويكون المراد بقوله في حديث أنس المذكور في الباب "من كان ذبح قبل الصلاة" الصلاة المعهودة وهي صلاة النبي صلى الله عليه وسلم وصلاة الأئمة بعد انقضاء عصر النبوة؛ ويؤيد هذا ما جاء في حديث جابر المذكور في الباب، ورواه أيضًا الطحاوي وأبو يعلي وابن حبان وصححه "أن رجلًا ذبح قبل أن يصلي رسول الله صلى الله عليه وسلم فنهى أن يذبح أحد قبل الصلاة" لكن جاء في الباب حديث آخر لجابر أيضًا فيه "أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر من كان قد نحر قبله أن يعيد بنحر آخر ولا ينحر حتى ينحر النبي صلى الله عليه وسلم" ورواه مسلم كذلك، وظاهره أن الاعتبار بنحر الإمام وأنه لا يدخل وقت التضحية إلا بعد نحره، ومن فعل قبل ذلك أعاد كما هو صريح الحديث (وقد سلك الإمام مالك) رحمه الله في هذا مسلك الاحتياط، فجمع بين هذه الأحاديث، وذهب إلى أن وقت النحر يكون لمجموع صلاة الإمام ونحره وهو أحسن المذاهب في هذا الباب لا يرد عليه أي اعتراض (قال الشوكاني) رحمه الله وقد تأول أحاديث الباب من لم يعتبر صلاة الإمام وذبحه. بأن المراد بها الزجر عن التعجيل الذي يؤدي إلى فعلها قبل وقتها، وبأنه لم يكن في عصره صلى الله عليه وسلم من يصلي قبل صلاته، فالتعليق بصلاته في هذه الأحاديث ليس المراد به إلا التعليق بصلاة المضحي نفسه، لكنها لما كانت تقع صلاتهم مع النبي صلى الله عليه وسلم غير متقدمة ولا متأخرة وقع التعليق بصلاته صلى الله عليه وسلم بخلاف العصر الذي بعده عصره فإنها تصلي صلاة العيد في المصر الواحد جماعات متعددة، ولا يخفى بعد هذا فإنه لم يثبت أن أهل المدينة ومن حولهم كانوا لا يصلون العيد إلا مع النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يصلح للتمسك لمن جوز الذبح من طلوع الشمس أو من طلوع الفجر ما ورد من أن يوم النحر يوم ذبح، لأنه كالعام، وأحاديث الباب خاصة فيبنى العام على الخاص اهـ والله أعلم (وفي حديث جبير ابن مطعم) رضي الله عنه المذكور اخر أحاديث الباب دلالة على أن أيام التشريق كلها أيام ذبح وهي يوم النحر وثلاثة أيام بعده، وقد تقدم الخلاف فيها في آخر أبواب العيدين في الجزء السادس، وكذلك روى الحافظ ابن القيم في الهدي عن علي رضي الله عنه أنه قال أيام النحر يوم الأضحى وثلاثة أيام بعده (قال النووي) رحمه الله (وأما آخر وقت التضحية) فقال الشافعي تجوز في يوم النحر وأيام التشريق الثلاثة بعده، وممن قال بهذا

الصفحة 96