كتاب الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني (اسم الجزء: 18)

(باب وأن هذا صراطي مستقيما الخ) (عن عبد الله بن مسعود) (1) قال خط لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطا ثم قال هذا سبيل الله ثم خط خطوطا عن يمينه وعن شماله ثم قال هذه سبل متفرقة على كل سبيل منها شيطان يدعو اليه ثم قرأ (وان هذا صراطي مستقيما (2) فاتبعوه ولا تتبعوا
__________
شاء غفر له صححه الحاكم وأقره الذهبي لهذا رأيت أن أتي بهذه الآيات وتفسيرها للانتفاع بما فيها لأنها جامعة شاملة فأقول وبالله التوفيق لما بين الله تعالى في الآيات السابقة فساد قول هؤلاء المشركين الذين عبدوا غير الله وحرموا ما رزقهم الله وزعموا أن الله أمرهم بتحريم ما حرموه على أنفسهم وقتلوا أولادهم وكل ذلك فعلوه بآرائهم وتسويل الشياطين قال الله عز وجل (قل) لهم يا محمد (تعالوا) أي هلموا وأقبلوا (أتل ما حرم ربكم عليكم) أي أقرأ ما حرم ربكم عليكم حقا يقينا لا شك فيه ولا ظنا ولا كذبا كما تزعمون أنتم بل هو وحي أوحاه الله الي (أن لا تشركوا به شيئا) أن مفسرة لفعل التلاوة ولا للنهي ومعنى هذا الاشراك الذي حرمه الله ونهى عنه هو أن يجعل لله شريكا في خلقه أو يريد بعبادته رياءا وسمعة ومنه قوله تعالى (ولا يشرك بعبادة ربه أحدا) (وبالوالدين إحسانا) أي وفرض عليكم ووصاكم بالوالدين إحسانا لأنهما السبب في وجود الانسان ولما لهما عليه من حق التربية والشفقة والحفظ من المهالك في حال صغره (ولا تقتلوا أولادكم) بالوأد (من املاق) من أجل فقر تخافونه وذلك أنهم كانوا يقتلون البنات خشية العار وربما قتلوا بعض الذكور خشية الافتقار (نحن نرزقكم وإياهم) أي لأن رزق العبيد على مولاهم (ولا تقربوا الفواحش) أي الكبائر كالزنا ونحوه وكذلك الصغائر وانما خص الكبائر بالذكر وعبر عنها بالفواحش لعظم ذنبها (ما ظهر منها) بدل من الفواحش أي ما بينك وبين الخلق (وما بطن) ما بينك وبين الله (ولا تقتلوا النفس التي حرم الله) انما أفرده بالذكر تعظيما لأمر القتل وانه من أعظم الفواحش والكبائر (إلا بالحق) كالقصاص والقتل على الردة والرجم على الزاني المحصن روى ابن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحل دم امرئ مسلم شهد أن لا إله إلا الله واني رسول الله إلا بإحدى ثلاث الزاني (يعني المحصن) والنفس بالنفس والتارك لدينه المفارق للجماعة رواه (ق حم وغيرهم) (ذلكم وصاكم به) أي امركم به وأوجبه عليكم (لعلكم تتقون) أي لكي تفهموا وتتدبروا ما في هذه التكاليف من الفوائد والمنافع (ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن) أي إلا بما فيه صلاحه وحفظه وتثميره (حتى يبلغ أشده) المراد بالأشد في هذه الآية هو ابتداء بلوغ الحلم مع ايناس الرشد وهذا هو المختار في تفسيرها (وأوفوا الكيل والميزان بالقسط) أي بالعدل وترك البخس (لا نكلف نفسا إلا وسعها) أي طاقتها وما يسعها في ايفاء الكيل والميزان واتمامه والمعنى من اجتهد في اداء الحق وأخذه فإن أخطأ بعد استفراغ وسعه وبذل جهده فلا حرج عليه (واذا قلتم فاعدلوا) أي في الحكم والشهادة (ولو كان ذا قربى) أي ولو كان المقول له أو عليه في شهادة أو غيرها من أهل قرابة القائل كقوله (ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين) (وبعهد الله) يعني الميثاق وفي الأمر والنهي والوعد والوعيد والنذر واليمين (أوفوا) أي يجب الوفاء به (ذلكم) يعني الذي ذكر في هذه الآيات (وصاكم به) يعني بالعمل به (لعلكم تذكرون) أي تتعظون فتأخذون ما أمرتم به (باب) (1) (سنده) حدثنا عبد الرحمن بن مهدي حدثنا يزيد أخبرنا حماد بن زيد عن عاصم بن ابي النجود عن أبي وائل عن عبد الله بن مسعود الخ (2) (التفسير) (وان هذا صراطي) يعني طريقي وديني الذي أرتضيه

الصفحة 141